فصل: الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفحال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعده إلى انقراض أمرهم

هؤلاء الملوك القياصرة المنتصرة من أعظم ملوك العالم وأشهرهم وكان لهم الاستيلاء على جانب البحر الرومي من الأندلس إلى رومة إلى القسطنطينية إلى الشام إلى مصر والإسكندرية إلى أفريقية والمغرب‏.‏ وحاربوا الترك والفرس بالمشرق والسودان بالمغرب من النوبة فمن وراءهم‏.‏ وكانوا أولاً على دين المجوسية ثم بعد ظهور الحواريين ونشر دين النصرانية بأرضهم وتسلطهم عليهم بأرضهم مرة بعد أخرى أخذوا بدينهم‏.‏ وكان أول من أخذ به قسطنطين بن قسنطش بن وليتنوه وأمه هلانة بنت مخشميان قيصر خليفة ديوقاريان قيصر الثالث والثلاثون من القياصرة وقد مر ذكره آنفاً‏.‏ وإنما سمي هذا الدين دين النصرانية نسبة إلى ناصرة‏:‏ القرية التي كان فيها مسكن عيسى عليه السلام عندما رجع من مصر مع أمه‏.‏ وأما نسبه إلى نصران فهو من أبنية المبالغة ومعناه أن هذا الدين في غير أهل عصابة فهو دين من ينصره من أتباعه‏.‏ ويعرف هؤلاء القياصرة ببني الأصفر وبعض الناس ينسبهم إلى عيصو بن إسحاق وقد أنكر ذلك المحققون وأبوه‏.‏ وقال أبو محمد بن حزم عند ذكر إسرائيل عليه السلام‏:‏ كان لإسحاق عليه السلام ابن آخر غير يعقوب وأسمه عيصاب وكان بنوه يسكنون جبال السراة من الشام إلى الحجاز وقد بادوا جملة‏.‏ إلا أن قوماً يذكرون أن الروم من ولده وهو خطأ وإنما وقع لهم هذا الغلط لأن موضوعهم كان يقال له أروم فظنوا أن الروم من ذلك الموضع وليس كذلك لأن الروم إنما نسبوا إلى روملس باني رومة‏.‏ وربما يحتجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك للحرث بن قيس‏:‏ ‏"‏ هل لك في جلاد بني الأصفر ‏"‏ ولا حجة فيه لاحتمال أن يريد بني عيصاب على الحقيقة لأن قصده كان إلى ناحية السراة وهو مسكن بني عيصو‏.‏ قلت‏:‏ مسكن عيصو هؤلاء كما يقال له أيذوم بالذال المعجمة إلى الظاء أقرب فعربتها العرب راء ومن هنا جاء الغلط والله تعالى أعلم‏.‏ وهذا الموضع يقال له يسعون أيضاً والاسمان له في التوراة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ خرج قسطنطين المؤمن على مقسيمانوس فهزمه ورجع إلى رومة وازدحم العسكر على الجسر فوقع بهم في البحر وغرق مقسيمانوس مع من غرق ودخل قسطنطين رومة وملكها بعد أن أقام ملكاً على بيزنطية من بعد أبيه ستاً وعشرين سنة فبسط الدل ورفع الجور وخرخ قائده يسكن ناحية قسطنطينية وولاه على رومة وأعمالها وألزمه بإكرام النصارى‏.‏ ثم انتقض عليه وقتل النصارى وعبد الأصنام‏.‏ وكان فيمن قتل ماردياس سق بطرك بطارقة فبعث قسطنطين العساكر إلى رومة لحربه فساقوه أسيراً وقتله‏.‏ ثم تنصر قسطنطين في مدينة نيقية لاثنتي عشر من ملكه وهدم بيوت الأصنام وبنى الكنائس وللتاسعة عشرة من ملكه كان مجمع الأساقفة بمدينة نيقية ونفى أريوس كما ذكرنا ذلك كله من قبل‏.‏ وأن رئيس هذا المجمع كان اسكندروس بطرك الإسكندرية‏.‏ وفي الخامسة عشرة من رياسته توفي بعد المجمع بخمسة أشهر‏.‏ وقال ابن بطريق‏:‏ كانت ولاية اسكندروس في الخامسة من ملك قسطنطين وبقي ست عشرة سنة وقتل في السادسة والعشرين من ملك ديقلاديانوس وأنه كان على عهده أرسيانوس أسقف قيسارية‏.‏ قال المسبحي‏:‏ مكث بطركاً ثلاثاً وعشرين وكسر صنم النحاس الذي هو هيكل زحل باسكندرية‏.‏ وجعل مكانه كنيسة فهدمها العبيديون عند ملكهم اسكندرية‏.‏ وقال ابن الراهب‏:‏ إن اسكندروس البطرك ولى أول سنة من ملك قسطنطين فمكث اثنتين وعشرين سنة وعلى عهده جاءت هلانة أم قسطنطين لزيارة بيت المقدس وبنت الكنائس وسألت عن موضع الصليب فأخبرها مقاريوس الأسقف أن اليهود أهالوا عليه التراب والزبل‏.‏ فأحضرت الكهنونية وسألتهم عن موضع الصليب وسألتهم رفع ما هنالك من الزبل‏.‏ ثم استخرجت ثلاثة من الخشب وسألت أيتها خشبة المسيح فقال لها الأسقف‏:‏ علامتها أن الميت يحيا بمسيسها فصدقت ذلك بتجربتها واتخذوا ذلك اليوم عيداً لوجود الصليب‏.‏ وبنت على الموضعع كنيسة القمامة وأمرت مقاريوس الأسقف ببناء الكنائس وكان ذلك لثلثمائة وثمان وعشرين من مولد المسيح عليه السلام‏.‏ وفي حادية وعشرين من ملك قسطنطين كان مهلك اسكندروس البطرك وولي مكانه تلميذه أثناسيوس كانت أمه تنصرت على يده فربي ابنها عنده وعلمه وولى بطركاً مكانه وسعى به أصحاب أريوش إلى الملك بعده مرتين بقي فيهما على كرسيه ثم رجع‏.‏ وحمل قسطنطين اليهود بالقدس على النصرانية فأظهروها وافتتحوا في الامتناع من أكل الخنزير فقتل منهم خلقاً‏.‏ وتنصر بعضهم فزعموا أن أحبار اليهود نقصوا من سني مواليد الآباء نحواً من ألف وخمسمائة سنة ليبطلوا مجيء المسيح في السوابيع التي ذكر دانيال أن المسيح يظهر عندها وأنها لم يحن وقتها وأن التوراة الصحيحة هي التي فسرها السبعون من أحبار اليهود ملك مصر‏.‏ وزعم ابن العميد أن قسطنطين أحضرها واطلع منها على النقص الذي قاله‏.‏ قال وهي التوراة التي بيد النصارى الآن‏.‏ قال‏:‏ ثم أمر قسطنطين بتجديد مدينة بيزنطية وسماها قسطنطينية باسمه وقسم ممالكه بين أولاده فجعل لقسطنطين قسطنطينية وما والاها ولقسطنطين الآخر بلاد الشام إلى أقصى المشرق ولقسطوس الثالث رومة وما والاها‏.‏ قال وملك خمسين سنة منها ست وعشرون ببزنطية قبل غلبة مقسميانوس ومنها أربع وعشرون بعد استيلائه على الروم‏.‏ وتنصر في اثنتي عشرة من آخر ملكه وهلك لستمائة وخمسين للاسكندر‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ كان قسطنطين بن قسنطش على دين المجوسية وكان شديداً على النصارى ونفى بطرك رومة فدعا عليه وابتلي بالجذام ووصف له في مداواته أن ينغمس في دماء الأطفال فجمع منهم لذلك عدداً ثم أدركته الرقة عليهم فأطلقهم فرأى في منامه من يحضه على الاقتداء بالبطرك فرده إلى رومة وبرىء من الجذام‏.‏ وجنح من حينئذ إلى دين النصرانية ثم خشي خلاف قومه في ذلك فارتحل إلى القسطنطينية ونزلها وشيد بناءها وأظهر ديانة المسيح وخالف أهل رومة فرجع إليهم وغلبهم على أمرهم وأظهر دين النصرانية‏.‏ ثم جاهد الفرس حتى غلبهم على كثير من ممالكهم‏.‏ ولعشرين سنة من ملكه خرجت طائفة من القوط إلى بلاده فأغاروا وسبوا فزحف إليهم وأخرجهم من بلاده‏.‏ ثم رأى في منامه عرباً وبنودا على تمثال الصلبان وقائلاً يقول‏:‏ هذا علامة الظفر لك‏.‏ فخرجت أمه هلانة إلى بيت المقدس لطلب آثار المسيح وبنت الكنائس في البلدان ورجعت ثم هلك قسطنطين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه كلام هروشيوش‏.‏ ثم ولي قسطنطين الصغير بن قسطنطين وسماه هروشيوش قسنطش‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ ملك أربعاً وعشرين سنة وكان أخوه قسطوس برومة بولاية أبيهما ففي خامسة من ملك قسطنطين بعث العساكر فقتل مقنيطوس وأتباعه وولى على رومة من جهته فكانت له صاغية إلى أريوس فأخذ بمذهبه وغلبت تلك المقالة على أهل قسطنطينية وأنطاكية ومصر والإسكندرية وغلب أتباع أريوس على الكنائس ووثبوا على بطرك اسكندرية ليقتلوه فهرب كما مر‏.‏ ثم هلك لأربع وعشرين سنة من ملكه‏.‏ وقال ابن العميد ملك سنتين باتفاق لثلاثة من ملك سابور وكان كافراً وقتل النصارى وعزلهم عن الكنائس واطرحهم من الديوان وسار لقتل الفرس فمات من سهم أصابه‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ تورط في طريقه في مفازة ضل فيها عن سبيله فتقبض عليه أعداوه وقتلوه‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وولي بعده بليان ابن قسطنطي سنة أخرى وزحف إلى الفرس وملكهم يومئذ سابور فحجم عن لقائهم فصالحهم ورجع وهلك في طريقه‏.‏ ولم يذكر ابن العميد بليان هذا وإنما قال‏:‏ ملك من بعد يوليانوس الملك يوشانوش سنة واحدة باتفاق في السادسة عشرة من ملك سابور وكان مقدم عساكر يوليانوس فلما قتل اجتمعوا إليه وبايعوه واشترط عليهم الدخول في النصرانية فغلبوه‏.‏ وأشار سابور بتوليته ونصب له صليباً في العسكر‏.‏ ولما ولي نزل على نصيبين للفرس ونقل الروم الذي بها إلى آمد ورجع إلى كرسي مملكتهم فرد الأساقفة إلى الكنائس ورجع فيمن رجع أثناسيوس بطرك اسكندرية وطلب منه أن يكتب له أمانة أهل مجمع نيقية فجمع الأساقفة وكتبوها وأشار عليه بلزومها ولم يذكر هروشيوش يوشانوش هذا وذكر مكانه آخر قال وسماه بلنسيان بن قسنطس‏.‏ قال‏:‏ وقاتل أمماً من القوط والافرنجة وغيرهم‏.‏ قال‏:‏ وافترق القوط في أيامه فرقتين على مذهبي أريوس وأمانة نيقية‏.‏ قال‏:‏ وفي أيامه ولى داماش بطركاً برومة ثم هلك بالفالج وملك بعده أخوه واليس أربع سنين وعمل على مذهب أريوس واشتد على أهل الأمانة وقتلهم وثار عليه بأهل أفريقية بعض النصارى مع البربر فأجاز إليهم البحر وحاربهم فظفر بالثائر وقتله بقرطاجنة ورجع إلى قسطنطينية فحارب القوط والأمم من ورائهم وهلك في حروبهم‏.‏ وقال ابن العميد في قيصر الذي قتل واليس وسماه واليطنوس أنه ملك اثنتي عشرة سنة فيما حكاه ابن بطريق وابن الراهب‏.‏ وحكى عن المسبحي خمسة عشرة سنة وأن أخاه والياس كان شريكه في الملك وأنه كان مبايناً وأنه ملك لستمائة وست وسبعين للاسكندر وسبع عشرة لسابور كسرى‏.‏ قال وفي أيامه وثب أهل إسكندرية على اثناسيوس البطرك ليقتلوه فهرب وقدموا مكانه لوقيوس وكان على رأي أريوس‏.‏ ثم اجتمع أهل الأمانة بعد خمسة أشهر ورجعوه إلى كرسيه وطردوا لوقيوس وأقام أثناسيوس بطركاً إلى أن مات فولوا بعده تلميذه بطرس سنتين ووثب به أصحاب لوقيوس فهرب ورجع لوقيوس إلى الكرسي فأقام ثلاث سنين‏.‏ ثم وثب به أهل الأمانة ورجعوا بطرس ومات لسنة من رجعته‏.‏ ولقي من داريانوس قيصر ومن أصحاب أريوس شدائد ومحناً‏.‏ قال المسجي‏:‏ كان واليطينوس يدين بالأمانة وأخوه واليس يدين بمذهب أريوس أخذه عن ثاودكسيس أسقف القسطنطينية وعاهده على إظهاره فلما ملك نفى جميع أساقفة الأمانة وسار أريوس أسقف أنطاكية بإذنه إلى الإسكندرية فحبس بطرس البطرك وأقام مكانه أريوس من أهل سميساط وهرب بطرس من السجن وأقام برومة وكانت بين واليطينوس قيصر وبين سابور كسرى فتنة وحروب وهلك في بعض حروبه معهم وولى بعده أخوه واليس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ عن ابن الراهب سنتين وعن أبي فانيوس ثلاث سنين وسماه والاس‏.‏ وقال هو أبو الملكين اللذين تركا الملك وترهبا وسمي مكسينموس ودوقاديوس‏.‏ قال‏:‏ وفي الثانية من ملكه بعث طيماناوس أخا بطرس بطركاً على إسكندرية فلبث فيهم سبع سنين ومات وفي سادسة ملكه كان المجمع الثاني بقسطنطينية وقد مر ذكره‏.‏ وفي أيام واليس قيصر هذا مات بطرك قسطنطينية فبعث أغريوس أسقف يزناروا وولاه مكانه فوليه أربع سنين ومات‏.‏ ثم خرج على واليس خارج من العرب فخرج إليه فقتل في حروبه‏.‏ ثم ولى أغراديانوس قيصر‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وهو أخو واليس وكان والنطوس بن واليس شريكاً له في الملك وملك سنة واحدة‏.‏ وقال عن أبي فانيوس سنتين وعن ابن بطريق ثلاث سنين‏.‏ وذكر عن ابن المسبحي وابن الراهب أن تاوداسيوس الكبير كان شريكاً لهما وأن ابتداء ملكهم لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر وأنه رد جميع ما نفاه واليس قبله من الأساقفة إلى كرسيه وخلى كل واحد مكانه‏.‏ ومات أغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وملك بعدهما ثاوداسيوس سبع عشرة سنة باتفاق لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر ولإحدى وثلاثين من ملك سابور كسرى‏.‏ وفي سادسة ملكه مات أثناسيوس بطرك اسكندرية فولي مكانه كاتبه تاوفيلا وكان بطرك القسطنطينية يوحنا فم الذهب وأسقف قبرس أبو فانيوس كان يهودياً وتنصر‏.‏ قال‏:‏ وكان لتاوداسيوس ولدان أرقاديوس وبرباريوس‏.‏ قال‏:‏ وفي خامسة عشر من ملكه ظهر الفتية السبعة أهل الكهف الذين قاموا أيام دقيانوس ولبثوا في نومهم ثلثمائة سنة وتسع سنين كما قصه القرآن ووجد معهم صندوق النحاس والصحيفة التي أودع البطريق فيها خبرهم‏.‏ وبلغ الأمر إلى قيصر تاوداسيوس فبعث في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أن يبنى عليهم كنيسة ويتخذ يوم ظهورهم عيداً‏.‏ قال المسبحي‏:‏ وكان أصحاب أريوس قد استولوا على الكنائس منذ أربعين سنة فأزالهم عنها ونفاهم وأسقط من عساكره كل من يدين بتلك المقالة‏.‏ وعقد المجمع الثاني بقسطنطينية لمائتين وخمسين سنة من مجمع نيقية وقرر فيه الأمانة الأولى بنيقية وعهدوا أن لا يزاد فيها ولا ينقص‏.‏ وفي الخامسة عشرة من ملكه مات سابور بن سابور وملك بعده بهرام‏.‏ ثم هلك تاوداسيوس لسبع عشرة سنة من ملكه‏.‏ سنين وهو الموفى أربعين عدداً من ملوك القياصرة قال‏:‏ واستعمل طودوشيش بن أنطيونش بن لوخيان على ناحية المشرق‏.‏ فملك الكثير منها‏.‏ ثم هجم أهل رومة على قائدهم فقتلوه وخلعوا وليطيانش الملك فلحق بطودوشيش بالمشرق فسلم إليه في الملك فأقبل طودوشيش إلى رومة وقتل الثائر بها واستقل بملك القياصرة‏.‏ وهلك لأربع عشرة سنة من ولايته‏.‏ فولي ابنه كاديكش ويظهر من كلام هروشيوش أن طودوشيش هو تاوداسيوس الذي ذكره ابن العميد لأنهما متفقان في أن ابنه أركاديس ومتقاربان في المدة‏.‏ فلعل وليطانش الذي ذكره هروشيوش هو أغراديانوس الذي ذكره ابن العميد‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وملك أركاديش ولد تاوداسيوس الأكبر ثلاث عشرة سنة باتفاق في ثالثة ملك بهرام بن سابور وكان مقيماً بالقسطنطينية وولى أخاه أنوريش على رومة‏.‏ قال وولد لأركاديش ابن سماه طودوشيش باسم أبيه‏.‏ ولما كبر طلب معلمه أريانوس ليعلم ولده فهرب إلى مصر وترهب ورغبه بالمال فأبى وأقام في مغارة بالجبل المقطم على قرية طرا ثلاث سنين‏.‏ ومات فبنى الملك على قبره كنيسة وديراً يسمى دير القصير ويقال‏:‏ دير البغل‏.‏ وفي أيامه غرق أبو فانيوس بمرجعه إلى قبرص‏.‏ ومات يوحنا فم الذهب بطرك القسطنطينية وكان نفاه أركاديش بموافقة أبي فانيوس ودعا كل منهما على صاحبه فهلكا‏.‏ وفي التاسعة من ملك ثم هلك أركاديش وملك من بعده طودوشيش الأصغر ابن أركاديش ثلاث عشرة سنة وولى أخاه أنوريش على رومة فاقتسما ملك اللطينيين وانتقض لعهديهما قومس أفريقية وخالفه إلى طاعة القياصرة فحدثت بأفريقية فتنة لذلك‏.‏ ثم غلب القومس أخاه فلحق بقبرص وترهب بها‏.‏ ثم زحف القوط إلى رومة وفر عنها أنوريش فحاربوها ودخلوها عنوة واستباحوها ثلاثاً وتجافوا عن أموال الكنائس‏.‏ قال‏:‏ ولما هلك أركاديش قيصر استبد أخوه أنوريش بالملك خمس عشرة سنة وأحسن في دفاع القوط عن رومة وهلك فولي من بعده طودوشيش ابن أخيه أركاديش ولم يذكر ابن العميد أنوريش وإنما ذكر بعد أركاديش ابنه طودشيش وسماه الأصغر‏.‏ قال وملك اثنتين وأربعين سنة باتفاق في خامسة ملك يزدجرد وكانت بينه وبين الفرس حروب كثيرة‏.‏ قال‏:‏ وفي أول سنة من ملكه مات تاوفيلا بطرك إسكندرية فولي مكانه كيرلوس ابن أخته‏.‏ في السابعة عشرة من ملكه قدم نسطوريش بطركاً بالقسطنطينية فأقام أربع سنين وظهرت عنه العقيدة التي دان بها وقد تقدمت وبلغت مقالته إلى كيرلس بطرك الإسكندرية‏.‏ فخاطب في ذلك بطرك رومة‏.‏ أنطاكية وبيت المقدس ثم اجتمعوا بمدينة أفسيس في مائتي أسقف وأجمعوا على كفر نسطوريس ونفوه فنزل أخميم من صعيد مصر أقام بها سبع سنين وأخذ بمقالته نصارى الجزيرة والموصل إلى الفرات ثم العراق وفارس إلى المشرق‏.‏ وولى طودوشيش بالقسطنطينية مقسيموس عوضاً عن نسطورس فأقام بها ثلاث سنين‏.‏ وفي ثامنة وثلاثين من ملك طودوشيش الأصغر مات كيرلس بطرك الإسكندرية وولي مكانه ديسقرس ولقي شدائد من مرقيان الملك بعده‏.‏ وفي السادسة عشرة من ملك طودوشيش الأصغر مات يزدجرد كسرى وولي ابنه بهرام جور وكانت بينه وبين خاقان ملك الترك وقائع‏.‏ ثم عدل عن حروبهم ودخل إلى أرض الروم فهزمه طودوشيش وملك ابنه يزدجرد‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وفي أيام طودوشيش الأصغر تغلب القوط على رومة وملكوها وهلك ملكهم أبطريك كما نذكر في أخبارهم‏.‏ ثم صالحوا الروم على أن يكون لهم الأندلس فانقلبوا إليها وتركوا رومة انتهى‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ ثم ملك مرقيان بعده ست سنين باتفاق وتزوج أخت طودوشيش وسماه هروشيوش مركيان بن مليكة‏.‏ قالوا وكان في أيامه المجمع الرابع بمقدونية وقد تقدم ذكره وإنه كان بسبب ديسقوس بطرك إسكندرية وما أحدث من البدعة في الأمانة فأجمعوا على نفيه وجعلوا مكانه برطارس‏.‏ وافترقت النصارى إلى ملكية وهم أهل الأمانة فنسبوا إلى مركيان قيصر الملك الذي جمعهم وعهد بأن لا يقبل ما اتفق عليه أهل المجمع الخلقدوني‏.‏ وإلى يعقوبية وهم أهل مذهب ديسقوس وتقدم الكلام في تسميتهم يعقوبية‏.‏ وإلى نسطورية وهم نصارى المشرق‏.‏ وفي أيام مركيان سكن شمعون الحبيس الصومعة بأنطاكية وترهب وهو أول من فعل ذلك من النصارى‏.‏ وعلى عهده مات يزدجرد كسرى‏.‏ ومات مركيان قيصر لست سنين من ملكه وملك بعده لاون الكبير‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ لسبعمائة وسبعين من ملك الإسكندر ولثانية من ملك نيرون ملك ست عشرة سنة‏.‏ ووافقه هروشيوش على مدته وقال فيه ليون بن شمخلية‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وكان على مذهب الملكية ولما سمع أهل إسكندرية بموت مركيان وثبوا على برطارس البطرك فقتلوه بعد ست سنين من ولايته وأقاموا مكانه طيمناوس‏.‏ وكات يعقوبياً فجاء قائد من قسطنطينية بعد ثلاث سنين من ولايته فنفاه وأبدل عنه سوريس من الملكية وأقام تسع سنين‏.‏ ثم عاد طيماناوس بالأمر لاون قيصر ويقال أنه بقي بطركاً اثنتين وعشرين سنة ولثانية عشر من ملك لاون زحف الفرس إلى مدينة آمد وحاصروها وامتنعت عليهم‏.‏ وفي أيامه مات شمعون الحبيس صاحب العمود‏.‏ ثم هلك لاون قيصر لست عشرة سنة من ملكه‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وولي من بعده لاون الصغير وهو أبو زينون الملك بعده‏.‏ وقال ابن بطريق هو ابن سينون وكان يعقوبياً وملك سنة واحدة‏.‏ ولم يذكره هووشيوش وإنما ذكر زينون الملك بعده وسماه سينون بالسين المهملة وقال‏:‏ ملك سبع عشرة سنة وقال ابن العميد مثله‏.‏ ولثمانية عشر من ملك نيرون ولسبعمائة وسبع وثمانين للاسكندر قال وكان يعقوبياً وخرج عليه ولده ورجل من قرابته وحاربهما عشرين شهراً‏.‏ ثم قتلهما وأتباعهما ودخل قسطنينية ووجد بطركها وكان رديء العقيدة قد غير كتب الكنيسة وزاد ونقص‏.‏ فكتب زينون قيصر إلى بطرك رومة وجمع الأساقفة فناظروه ونفوه‏.‏ وفي سابعة ملك زينون مات طيماناوس بطرك إسكندرية فولي مكانه بطرس وهلك بعد ثمان سنين فولي مكانه أثناسيوس وهلك لسبع سنين وكان قيماً ببعض البيع في بطركيته‏.‏ قال المسبحي وفي أيام زينون احترق ملعب الخيل الذي بناه بطليموس الأرنبا بالإسكندرية‏.‏ وقال ابن بطريق‏:‏ وفي أيام زينون هاجت الحرب بين نيرون والهياطلة وهزموه في بعض حروبهم ورد الكرة عليه بعض قواده كما في أخبارهم ومات نيرون وتنازع الملك ابناه قياد ويلاش وفي عاشرة من ملك زينون غلب يلاش أخاه واستقل بالملك‏.‏ ولحق أخوه قياد بخاقان ملك الترك‏.‏ ثم هلك يلاش لأربع سنين ورجع قياد واستولى على مملكة فارس وذلك في أربعة عشر من ملك زينون فأقام ثلاثاً وأربعين سنة‏.‏ وهلك زينون لسبع عشر من ولايته فملك بعده نسطاس سبعاً وعشرين سنة في أربعة من ملك قياد ولثمانمائة وثلاث للاسكندر وكان يعقوبياً وسكن حماة ولذلك أمر أن تشيد وتحصن فبنيت في سنتين‏.‏ وعهد لأول ملكه أن يقتل كل امرأة كاتبة‏.‏ وفي ثالثة ملكه أمر ببناء مدينة في المكان الذي قتل فيه دارا فوق نصيبين‏.‏ ثم وقعت الحرب بينه وبين الأكاسرة وخرب قياد مدينة آمد ونازلت عساكر الفرس إسكندرية وأحرقوا ما حولها من البساتين والحصون‏.‏ وقتل بين الأمتين خلق كثير‏.‏ وفي سادسة ملكه مات أثناسيوس بطرك الإسكندرية فصير مكانه يوحنا وكان يعقوبياً ومات لتسع سنين فصير بعده يوحنا الحسن ومات بعد إحدى عشرة‏.‏ وفي أيام نسطاس قدم ساريوس بطركاً بأنطاكية وكان كلاهما على أمة ديسقوس‏.‏ وفي سابعة وعشرين من ملك نسطاس قدم ساريوس بطركاً بأنطاكية‏.‏ ومات يوحنا بطرك إسكندرية فولى مكانه ديسقوس الجديد ومات لسنتين ونصف‏.‏ وقال سعيد بن بطريق‏:‏ إن إيليا بطرك المقدس كتب إلى نسطاس قيصر يسأله الرجوع إلى الملكية ويوضح له الحق في مذهبهم وصبا إليه في ذلك جماعة من الرهبان فأحضرهم وسمع كلامهم وبعث إليهم بالأموال للصدقات وعمارة الكنائس وكان بقسطنطينية رجل على رأي ديسقوس فمضى إلى نشطانش قيصر ومضى وأشارعليه باتباع مذهب ديسقوس وأن يرفض المجمع الخلقدوني فقبل ذلك منه وبعث إلى جميع أهل مملكته‏.‏ وبلغ ذلك بطرك أنطاكية فكتب إلى نشطانش قيصر بالملامة على ذلك فغضب ونفاه‏.‏ وجعل مكانه بإنطاكية سويوس وبلغ ذلك إلى إيليا بطرك القدس‏.‏ فجمع الرهبان ورؤساء الديور في نحو عشرة آلاف ولعنوا سويوس وأجرموه والملك نشطانش معه‏.‏ فنفاه نشطانش إلى إيليا وذلك في ثالثة وعشرين من ملكه‏.‏ فاجتمع جميع البطاركة والأساقفة من الملكية وأجرموا نشطانش الملك وسويوس وديسقوس إمام اليعقوبية ونسطورس‏.‏ قال ابن بطريق‏:‏ وكان لسيوس تلميذ اسمه يعقوب البرادعي يطوف البلاد داعياً إلى مقالة سويروس ودسقوس فنسب اليعاقبة إليه‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ وليس كذلك لأن اليعاقبة سموا بذلك من عهد ديسقوس كما مر‏.‏ ثم هلك نشطانش أسمبع وعشرين من ملكه وملك بعده يشطيانش قيصر لثمانية وثلاثين من ملك قياد بن نيرون ولثمانية وثلاثين للاسكندر‏.‏ وملك تسع سنين باتفاق‏.‏ وقال هروشيوش سبعاً‏.‏ وقال المسبحي كان معه شريك في ملكه اسمه يشطيان‏.‏ وفي ثالثة ملكة غزت الفرس بلاد الروم فوقعت بين الفرس والروم حروب كثيرة‏.‏ وزحف كسرى في آخرها لثمانية من ملك يشطيانش ومعه المنذر ملك العرب فبلغ الرها وغلب الروم وغرق من الفريقين في الفرات خلق كثير وحمل الفرس أسارى الروم وسباياهم‏.‏ ثم وقع الصلح بينهما بعد موت قيصر‏.‏ وفي تاسعة ملكه أجاز البربر من المغرب إلى رومة وغلبوا عليها‏.‏ قال ابن بطريق وكان يشطيانش على دين الملكية فرد كل من نفاه نشطانش قبله منهم‏.‏ وصير طيماناوس بطركاً بالإسكندرية وكان يعقوبياً فلبث فيهم ثلاث سنين وقيل سبع عشرة سنة‏.‏ وقال ابن الراهب‏:‏ كان يشطيانش خلقدونياً ونفى طيماناوس البطرك عن إسكندرية وجعل مكانه أيوليناريوس وكان ملكياً وعقد مجمعاً بالقسطنطينية يريد جمع الناس على رأي الخلقدونية مذهبه‏.‏ وأحضر شاويرش بطرك إنطاكية وأساقفة المشرق فلم يوافقوه فاعتقل بطرك أنطاكية سنين ثم أطلقه فسار إلى مصر وبقي مختفياً في الديور‏.‏ ثم وصل أيوليناريوس بطرك إسكندرية ومعه كتاب الأمانة الخلقدونية فقبل الناس منه وتبعوا مذهبه فيها وصاروا إليه‏.‏ وهلك يشطيانش لتسع سنين من ملكه‏.‏ ثم ملك يشطيانش قيصر لإحدى وأربعين من ملك قياد ولثمانمائة وأربعين للاسكندر وكان ملكياً وهو ابن عم يشطيانش الملك قبله‏.‏ وقال المسبحي‏:‏ بل كان شريكه كما مر وملك أربعين سنة باتفاق‏.‏ وقال أبو فانيوس‏:‏ ثلاثاً وثلاثين وفي سابعة ملكه غزا كسرى بلاد الروم وأحرق إيليا وأخذ الصليب الذي كان فيها وفي حادية عشر من ملكه عصت السامرية عليه فغزاهم وخرب بلادهم وفي سادسة عشر من ملكه غزا الحارث بن جبلة أمير غسان والعرب ببرية الشام وغزا بلاد الأكاسرة وهزم عساكرهم وخرب بلادهم‏.‏ ولقيه بعض مرازبة كسرى فهزمهم ورد السبي منهم‏.‏ عهد بأن يتخذ عيد الميلاد في رابع وعشرين من كانوا الأول وعيد الغطاس في ست منه وكانا من قبل ذلك جميعاً في سادس كانون‏.‏ وقال المسبحي‏:‏ أراد يشطيانش حمل الناس على رأي الملكية طيماناوس بطرك إسكندرية وكان يعقوبياً وأراده على ذلك فامتنع فهم بقتله ثم أطلقه فرجع إلى مصر مختفياً ثم نفاه بعد ذلك وجعل مكانه بولس وكان ملكياً فلم يقبله اليعاقبة وأقام على ذلك سنين‏.‏ قال سعيد بن بطريق‏:‏ ثم بعث قيصر قائداً من قواده اسمه يوليناريوس وجعله بطرك إسكندرية فدخل الكنيسة بزي الجند ثم لبس زي في البطاركة وقدس فهموا به فصار إلى سياستها فأقصدوا ثم حملهم على رأي اليعقوبية وقتل من امتنع وكانوا مائتين‏.‏ وفي أيام يشطيانش هذا ثار السامرة بأرض فلسطين وقتلوا النصارى وهدموا كنائسهم فبعث العساكر وأثخنوا فيهم وأمر ببناء الكنائس كما كانت‏.‏ وكانت كنيسة بيت لحم صغيرة فأمر بأن يوسع فيها فبنيت كما هي لهذا العهد‏.‏ وفي عهده كان المجمع الخامس بقسطنطينية بعد مائة وثلاث وستين من المجمع الخلقدوني ولتاسعة وعشرين من ملك يشطيانش وقد مر ذكر ذلك‏.‏ وفي عهد قيصر هذا مات أيوليناريوس القائد الذي جعل بطركاً بإسكندرية لسبع عشرة سنة من ولايته وهو كان رئيس هذا المجمع وجعل مكانه يوحنا وكان أمانيا وهلك لثلاث سنين وانفرد اليعاقبة بالإسكندرية وكان أكثرهم القبط وقدموا عليهم طودوشيوش بطركاً لبث فيهم اثنتين وثلاثين سنة‏.‏ وجعل الملكية بطركهم داقيانوس وطردوا طودوشيوش من كرسيه ستة أشهر‏.‏ ثم أمر يشطيانش قيصر بأن يعاد فأعيد وطلب منه المغامسة أن يقدم دقيانوس بطرك الملكية على الشمامسة فأجابهم‏.‏ ثم كتب يشطيانش إلى طودوشيوش البطرك باجتماع المجمع الخلقدوني أو يترك البطركية فتركها ونفاه وجعل مكانه بولس التنسي فلم يقبله أهل إسكندرية ولا ما جاء به‏.‏ ثم مات وغلقت كنائس القبط اليعقوبية ولقوا شدائد من الملكية ومات طودوشيوش البطرك في سابعة وثلاثين من ملكة يشطيانش وجعل مكانه بإسكندرية بطرس ومات بعد سنتين‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وسار كسرى أنو شروان في مملكة يشطيانش قيصر إلى بلاد الروم وحاصر أنطاكية وفتحها وبنى قبالتها مدينة سماها رومة ونقل إليها أنطاكية‏.‏ ثم هلك يشطيانش وملك بعده يوشطونش قيصر لست وثلاثين من ملك أنو شروان ولثمانمائة وثمانين للإسكندر فملك ثلاث عشرة سنة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إحدى عشرة سنة ولثانية من ملكه مات بطرس ملك إسكندرية فجعل مكانه داميانو فمكث ستاً وثلاثين سنة‏.‏ وخربت الديور على عهده وفي الثانية عشرة من ملكه مات كسرى أنو شروان بعد أن كان بعث العساكر من الديلم مع سيف بن ذي يزن من التبابعة ففتحوا اليمن وصارت للأكاسرة‏.‏

ثم هلك يوشطونش قيصر لإحدى عشرة أو ثلاث عشرة من ملكه‏.‏ وملك بعده طيباريوس قيصر لثالثة من ملك هرمز ابن أنوشروان‏.‏ ولثمانمائة واثنتين وتسعين للإسكندر‏.‏ فملك ثلاث سنين عند ابن بطريق وابن الراهب وأربعاً عند المسبحي ولعهده انتقض الصلح بين الروم وفارس واتصلت الحرب وانتهت عساكر الفرس إلى رأس عين الخابور فثار إليهم موريق من بطاركة الروم فهزمهم‏.‏ ثم جاء طباريش قيصر على أثره فعظمت الهزيمة واستمر القتل في الفرس وأسر الروم منهم نحواً من أربعة آلاف غربهم إلى جزيرة قبرص‏.‏ ثم انتقض بهرام مرزبان هرمز كسرى وطرده عن الملك بمنجع من تخوم بلاد الروم وبعث بالصريخ إلى طباريش قيصر فبعث إليه المدد من الفرسان والأموال‏.‏ يقال كان عسكر المدد أربعين ألفاً فسار هرمز ولقيه بهرام بين المدائين‏.‏ وواسط فانهزم واستبيح وعاد هرمز إلى ملكه وبعث إلى طباريش بالأموال والهدايا أضعاف ما أعطاه ورد إليه ما كانت الفرس أخذته من بلادهم وسألهم‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ وغيرها ونقل من كان فيها من الفرس إلى بلاده‏.‏ وسأله طباريش بأن يبني هيكلين للنصارى بالمدائن وواسط فأجابه إلى ذلك‏.‏ ثم هلك طباريش قيصر وملك من بعده موريكش قيصر في السادسة لهرمز ولثمانمائة وخمس وتسعين للإسكندر وملك عشرين سنة باتفاق المؤرخين فأحسن السيرة‏.‏ وفي حادية عشر من ملكه بلغه عن بعض اليهود بأنطاكية أنهم بالوا على صورة المسيح فأمر بقتلهم ونفيهم‏.‏ ولعهده انتقض على هرمز كسرى قريبه بهرام وخلعه واستولى على ملكه وقتله وسار أبنه أبرويز إلى موريكش قيصر صريخاً فبعث معه العساكر ورد أبرويز إلى ملكه‏.‏ وقتل بهرام الخارج عليه وبعث إليه بالهدايا والتحف كما فعل أبوه من قبله مع القياصرة وخطب أبرويز من موريكش قيصر ابنتة مريم فزوجه إياها وبعث معها من الجهاز والأمتعة والأقمشة ما يضيق عنه الحصر ثم وثب على موريكيش بعض مماليكه بمداخلة قريبه البطريق قوقا فدسه عليه فقتله وملك على الروم وتسمى قيصر وذلك لتسعمائة وأربع عشرة للإسكندر وخمس عشرة لأبرويز‏.‏ فملك ثماني سنين وقتل أولاد موريكش وأفلت صغير منهم فلحق بطور سينا وترهب ومات هنالك وبلغ أبرويز كسرى ما جرى على موريكش وأولاده فجمع عساكره وقصد بلاد الروم ليأخذ ثأر صهره وبعث عساكره مع مرزبانه خزرويه إلى القدس وعهد إليه بقتل اليهود وخراب البلد‏.‏ وبعث بمرزبان آخر إلى مصر والإسكندرية‏.‏ وجاء بنفسه في عساكر الفرس إلى القسطنطينية وحاصرها وضيق عليها‏.‏ وأما خزرويه المرزبان فسار إلى الشام وخرب البلاد‏.‏ واجتمع يهود طبرية والخليل وناصرة وصور وأعانوا الفرس على قتل النصارى وخراب الكنائس فنهبوا الأموال وأخذوا قطعة من الصليب وعادوا إلى كسرى بالسبي وفيهم زخريا بطرك القدس فاستوهبته مريم بنت موريكش من زوجها أبرويز فوهبه إياها مع قطعة الصليب‏.‏ ولما خلت الشام من الروم واجتمع الفرس على القسطنطينية تراسل اليهود من القدس والخليل وطبرية ودمشق وقبرص واجتمعوا في عشرين ألفاً وجاؤوا إلى صور ليملكوها وكان فيها من اليهود نحو من أربعة آلاف فتقبض بطركها عليهم وقيدهم وحاصرهم عساكر اليهود وهدموا الكنائس خارج صور‏.‏ والبطرك يقتل المقيدين ويرمي برؤوسهم إلى أن فنوا‏.‏ وارتحل كسرى عن القسطنطينية جاثياً فأجفل اليهود عن صور وانهزموا‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ وفي رابعة من قوقاص قيصر قدم يوحنا الرحوم بطركاً على الملكية بإسكندرية ومصر‏.‏ وإنما سمي الرحوم لكثرة رحمته وصدقته‏.‏ وهو الذي عمل البيمارستان للمرضى بإسكندرية‏.‏ ولما سمع بمسير الفرس هرب مع البطريق الوالي بإسكندرية إلى قبرص فمات بها لعشر سنين من ولايته‏.‏ وخلا كرسي الملكية بإسكندرية سبع سنين‏.‏ وكان اليعاقبة بإسكندرية قدموا عليهم في أيام قوقاص قيصر بطركاً اسمه أنسطانيوش مكث فيهم اثنتي عشرة سنة واسترد ما كانت الملكية استولت عليه من الكنائس اليعقوبية‏.‏ وجاءه أثناسيوس بطرك أنطاكية بالهدايا سروراً بولايته فتلقاه هو بالأساقفة والرهبان‏.‏ واتخذت الكنيسة بمصر والشام وأقام عنده أربعين يوماً ورجع إلى مكانه‏.‏ ومات أنسطانيوش بعد اثنتي عشرة من ولايته لثلثمائة وثلاثين من ملك ديقلاديانوس‏.‏ ولما انتهى أبرويز في حصار القسطنطينية نهايته وضيق عليها وعدموا الأقوات واجتمع البطاركة بعلوقيا وبعثوا السفن مشحونة بالأقوات مع هرقل أحد بطاركة الروم‏.‏ ففرحوا به ومالوا إليه وداخلهم في الملك وأن قوقاص سبب هذه الفتنة فثاروا عليه وقتلوه وملكوا هرقل‏.‏ وذلك لتسعمائة واثنتين وعشرين للإسكندر فارتحل أبرويز عن القسطنطينية راجعاً إلى بلاده‏.‏ وملك هرقل بعد ذلك إحدى وثلاثين سنة ونصف عند المسبحي وابن الراهب واثنتين وثلاثين عند ابن بطريق‏.‏ وكانت ملكته أول سنة من الهجرة‏.‏ وقال هروشيوش لتسع وسماه هرقل بن هرقل بن أنطونيش‏.‏ ولما تملك هرقل بعث أبرويز بالصلح بوسيلة قتلهم موريكش فأجابهم على تقرير الضريبة عليهم فامتنعوا فحاصرهم ست سنين أخرى إلى الثمان التي تقدمت وجهدهم الجوع فخادعهم هرقل بتقرير الضريبة على أن يفرج عنهم حتى يجمعوا له الأموال‏.‏ وضربوا الموعد معه ستة أشهر ونقض هرقل فخالف كسرى إلى بلاده واستخلف أخاه قسطنطين على قسطنطينية وسار في خمسة آلاف من عساكر الروم إلى بلاد فارس فخرب وقتل وسبى وأخذ بني أبرويز كسرى من مريم بنت موريكش وهما قباذ وشيرويه‏.‏ ومر بحلوان وشهرازور إلى المدائن ودجلة ورجع إلى أرمينية ولما قرب من القسطنطينية وارتحل أبرويز كسرى إلى بلاده فوجدها خراباً وكان ذلك مما أضعف من مملكة الفرس وأوهنها‏.‏ وخرج هرقل لتاسعة من ملكه لجمع الأموال وطلب عامل دمشق منصور بن شرخون فاعتذر بأنه كان يحمل الأموال إلى كسرى فعاقبه واستخلص منه مائة ألف دينار وأبقاه على عمله‏.‏ ثم سار إلى بيت المقدس وأهدى إليه فأمنهم أولاً ثم عرفه الأساقفة والرهبان بما فعلوه في الكنائس ورآها خراباً وأخبروه بمن قتلوه من النصارى فأمر هرقل بقتلهم فلم ينج منهم إلا من اختفى أو أبعد المفر إلى الجبال والبراري وأمر بالكنائس فبنيت‏.‏ وفي العاشرة من ملكه قدم أندرسكون بطركاً لليعاقبة بإسكندرية فأقام ست سنين خربت فيها الديور‏.‏ ثم مات فجعل مكانه بنيامين‏.‏ فمكث سبعاً وثلاثين سنة ومات‏.‏ والفرس يومئذ قد ملكوا مصر والإسكندرية‏.‏ وأما هرقل فسار من بيت المقدس إلى مصر وملكها وقتل الفرس وولى على الإسكندرية فوس وكان أمانيا وجمع له بين البطركة والولاية‏.‏ ورأى بنيامين البطرك في نومه شخصاً يقول قم فاختف إلى أن يجوز غضب الرب‏.‏ فاختفى وتقبض هرقل على أخيه مينا وأراده على الأخذ بالأمانة الخلقدونية فامتنع فأحرقه بالنار ورمى بجثته في البحر‏.‏ ثم عاد هرقل إلى قسطنطينية بعد أن جمع الأموال من دمشق وحمص وحماة وحلب عمر البلاد إلى أن ملك مصر عمرو بن العاص وفتحها لثلثمائة وسبع وخمسين لديقلاديانوس وكتب لبنيامين البطرك بالأمان فرجع إلى إسكندرية بعد أن غاب عن كرسيه ثلاث عشرة سنة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وانتقل التاريخ إلى الهجرة لإحدى عشرة من ملك هرقل وذلك لتسعمائة وثلاث وثلاثين للإسكندر وستمائة وأربع عشرة للمسيح‏.‏ قال المسعودي‏:‏ وقيل إن مولده عليه السلام كان لعهد نيشطيانش الثاني الذي ذكر أنه نوسطيونس الذي بنى كنيسة الرها وأن ملكه كان عشرين سنة‏.‏ ثم هرقل بن نوسطيونس خمس عشرة سنة وهو الذي ضرب السكة الهرقلية وبعده مورق بن هرقل‏.‏ قال‏:‏ والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين كان ملك الروم لهرقل‏.‏ قال‏:‏ وفي كتب السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق ثم كان بعده ابنه قيصر بن قيصر أيام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمر وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشام‏.‏ قال‏:‏ ومدة ملكهم إلى الهجرة مائة وخمس وسبعون سنة‏.‏ قال الطبري‏:‏ مدة ما بين عمارة المقدس بعد تخريب بختنصر إلى الهجرة على قول النصارى ألف سنة وتزيد ومن ملك الإسكندر إليها تسعمائة ونيف وعشرين سنة ومنه إلى مولد عيسى ثلثمائة وثلاث سنين وعمره إلى رفعه اثنان وثلاثون سنة ومن رفعه إلى الهجرة خمسمائة وخمس وثمانون سنة‏.‏ وقال هروشيوش أن ملك هرقل كانت الهجرة في تاسعته وسماه هرقل بن هرقل ابن أنطونيوس لستمائة وإحدى عشرة من تاريخ المسيح ولألف ومائة من بناء رومة‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

  الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية إلى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

قال ابن العميد‏:‏ وفي الثانية من الهجرة بعث أبرويز عساكره إلى الشام والجزيرة فملكها وأثخن في بلاد الروم وهدم كنائس النصارى واحتمل ما فيها من الذهب والفضة والآنية حتى نقل الرخام الذي كان بالمباني‏.‏ وحمل أهل الرها على رأي اليعقوبية باغراء طبيب منهم كان عنده فعرجوا إليه وكانوا ملكية‏.‏ وفي سابعة الهجرة بعث عساكر الفرس ومقدمهم مرزبانه شهريار فدوخ بلاد الروم وحاصر القسطنطينية ثم تغير له فكتب إلى المرازبة معه بالقبض عليه‏.‏ واتفق وقوع الكتاب بيد هرقل فبعث به إلى شهريار فانتقض ومن معه وطلبوا هرقل في المدد فخرج معهم بنفسه في ثلثمائة ألف من الروم وأربعين ألفاً من الخزر الذين هم التركمان‏.‏ وسار إلى بلاد الشام والجزيرة وافتتح مدائنهم التي كان ملكها كسرى من قبل وفيما افتتح أرمينية‏.‏ ثم سار إلى الموصل فلقيه جموع الفرس وقائدهم المرزبان فانهزموا وقتل‏.‏ وأجفل أبرويز عن المدائن واستولى هرقل على ذخائر ملكهم‏.‏ وكان شيرويه بن كسرى محبوساً فأخرجه شهريار وأصحابه وملكوه وعقدوا مع هرقل الصلح ورجع هرقل إلى آمد بعد أن ولى أخاه تداوس على الجزيرة والشام‏.‏ ثم سار إلى الرها ورد النصارى اليعاقبة إلى مذهبهم الذي أكرهوا على تركه وأقام بها سنة كاملة‏.‏ وعن غير ابن العميد‏:‏ وفي آخر سنة ست من الهجرة كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كتابه من المدينة مع دحية الكلبي يدعوه إلى الإسلام‏.‏ ونصه على ما وقع في صحيح البخاري‏.‏ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم‏.‏ سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين‏.‏ ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا إشهدوا بأنا مسلمون‏.‏ فلما بلغه الكتاب جمع من كان بأرضه من قريش وسألهم عن أقربهم نسباً منه فأشاروا إلى ابن سفيان بن حرب‏.‏ فقال لهم‏:‏ إني سائله عن شأن هذا الرجل فاستمعوا ما يقوله‏.‏ ثم سأل أبا سفيان عن أحوال تجب أن تكون للنبي صلى الله عليه وسلم أوينزه عنها‏.‏ وكان هرقل عارفاً بذلك فأجابه أبو سفيان عن جميع ما سأله من ذلك‏.‏ فرأى هرقل أنه نبي لا محالة مع أنه كان حزاء ينظر في علم النجوم وكان عنده علم من القرآن الكائن قبل الملة بظهور الملة والعرب فاستيقن بنبوته وصحة ما يدعو إليه حسبما ذكر البخاري في صحيحه‏.‏ وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرث بن أبي شمر الغساني ملك غسان بالبلقاء من أرض الشام وعامل قيصر على العرب مع شجاع بن وهب الأسدي يدعوه إلى الإسلام‏.‏ قال لشجاع‏:‏ فأتيته وهو بغوطة دمشق يهيىء النزل لقيصر حين جاء من حمص إلى إيليا‏.‏ فشغل عني إلى أن دعاني ذات يوم وقرأ كتابي وقال‏:‏ من ينتزع مني ملكي أنا سائر إليه ولو كان باليمن‏.‏ ثم أمر بالخيول تنعل وكتب بالخبر إلى قيصر فنهاه عن المسير‏.‏ ثم أمرني بالانصراف وزودني بمائة دينار‏.‏ ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثامنة من الهجرة جيشه إلى الشام وهي غزوة مؤتة كان المسلمون فيها ثلاثة آلاف وأمر عليهم زيد بن حارثة وقال‏:‏ إن أصيب فجعفر فعبد الله بن رواحة فانتهوا إلى معان من أرض الشام ونزل هرقل صاب من أرض البلقا في مائة ألف من الروم‏.‏ وانضمت إليهم جموع جذام والغيد وبهرام وبلى وعلى بلى مالك بن زافلة‏.‏ ثم زحف المسلمون إلى البلقا ولقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب على مؤتة فكان التمحيص والشهادة‏.‏ واستشهد زيد ثم جعفر ثم عبد الله‏.‏ وانصرف خالد بن الوليد بالناس فقدموا المدينة ووجد النبي صلى الله عليه وسلم على من قتل من المسلمين ولا كوجده على جعفر بن أبي طالب لأنه كان تلاده‏.‏ ثم أمر بالناس في السنة التاسعة بعد الفتح وحنين والطائف أن يتهيأوا لغزو الروم فكانت غزوة تبوك‏.‏ فبلغ تبوك وأتاه صاحب أيلة وجرباء وأذرح وأعطوا الجزية وصاحب أيلة يومئذ يوحنا بن رؤبه بن نفاثة أحد بطون جذام وأهدى له بغلة بيضاء‏.‏ وبعث خالد بن الوليد إلى دومة الجندل وكان بها أكيدر بن عبد الملك فأصابوه بضواحيها في ليلة مقمرة فأسروه وقتلوا أخاه وجاؤوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وصالحه على الجزية ورده إلى قريته‏.‏ وأقام بتبوك بضع عشرة ليلة وقفل إلى المدينة‏.‏ وبلغ خبر يوحنا إلى هرقل فأمر بقتله وصلبه عند قريته ورجعنا إلى كلامه قال‏:‏ وفي الثالثة عشرة من الهجرة جهز أبو بكر العساكر من المسلمين من العرب لفتح الشام‏:‏ عمرو بن العاص لفلسطين ويزيد بن أبي سفيان لحمص وشرحبيل بن حسنة للبلقاء وقائدهم أبو عبيدة بن الجراح‏.‏ وبعث خالد بن سعيد بن العاصي إلى سماوة فلقيه ماهاب البطريق في جموع الروم فهزمهم خالد إلى دمشق ونزل موضع الصفراء‏.‏ ثم أخذوا عليه الطريق ونازلوه ثانية فتجهز إلى جهة المسلمين‏.‏ وقتل ابنه وبعث أبو بكر خالد بن الوليد بالعراق يسير إلى الشام أميراً على المسلمين‏.‏ فسار ونزل معهم دمشق وفتحوها كما نذكر في الفتوحات‏.‏ وزحف عمرو بن العاصي إلى غيره ولقيته الروم هنالك فهزمهم وتحصنوا ببيت المقدس وقيسارية‏.‏ ثم زحف عساكر الروم من كل جانب في مائتين وأربعين ألفاً والمسلمون في بضع وثلاثين ألفاً والتقوا باليرموك فانهزم الروم وقتل منهم من لا يحصى وذلك في الخامسة عشر من الهجرة‏.‏ ثم تتابعة عليهم الهزائم ونازل أبو عبيدة وخالد بن الوليد حمص فصالحوهم على الجزية‏.‏ ثم سار خالد إلى قنسرين فلقيه منباس البطريق في جموع الروم فهزمهم وقتل منهم خلق كثير‏.‏ وفتح قنسرين ودوخ البلاد‏.‏ ثم سار عمرو بن العاصي وشرحبيل بن حسنة فحاصروا مدينة الرملة وجاء عمر بن الخطاب إلى الشام فعقد لأهل الرملة الصلح على الجزية وبعث عمراً وشرحبيل لحصار بيت المقدس فحاصروها‏.‏ ولما أجهدهم البلاء طلبوا الصلح على أن يكون أمانهم من عمر نفسه فحضر عندهم وكتب أمانهم ونصه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عمر بن الخطاب لأهل إيلياء أنهم آمنون على دمائهم وأولادهم ونسائهم وجميع كنائسهم لا تسكن ولا تهدم‏.‏ ودخل عمر بن الخطاب بيت المقدس وجاء كنيسة القمامة فجلس في صحنها وحان وقت الصلاة فقال للبترك أريد الصلاة فقال له صل موضعك فامتنع وصلى على الدرجة التي على باب الكنيسة منفرداً‏.‏ فلما قضى صلاته قال للبترك‏:‏ ‏"‏ لو صليت داخل الكنيسة أخذها المسلمون بعدي وقالوا هنا صلى عمر ‏"‏‏.‏ وكتب لهم أن لا يجمع على الدرجة للصلاة ولا يؤذن عليها‏.‏ ثم قال للبترك أرني موضعاً أبني فيه مسجداً‏.‏ فقال‏:‏ على الصخرة التي كلم الله عليها يعقوب ووجد عليها ردماً كثيراً فشرع في إزالته وتناوله بيده يرفعه في ثوبه واقتدى به المسلمون كافة فزال لحينه‏.‏ وأمر ببناء المسجد‏.‏ ثم بعث عمرو بن العاصي إلى مصر فحاصرها وأمده بالزبير بن العوام في أربعة آلاف من المسلمين فصالحهم المقوقس على الجزية ثم سار إلى الإسكندرية فحاصرها وافتتحها‏.‏ أبو عبيدة فهزمهم واستلحمهم‏.‏ ورجع هرقل إلى أنطاكية وقد استكمل المسلمون فتح فلسطين وطبرية والساحل كله‏.‏ واستنفر العرب المتنصرة من غسان ولخم وجذام وقدم عليهم ما هاب البطريق وبعثه للقاء العرب‏.‏ وكتب إلى عامله على دمشق منصور بن سرحون أن يمده بالأموال‏.‏ وكان يحقد عليه نكبته من قبل واستصفى ماله حين أفرج الفرج عن حصاره بالقسطنطينية لأول ولايته‏.‏ فاعتذر العامل للبطريق عن المال وهون عليه أمر العرب‏.‏ فسار من دمشق للقائهم ونازلهم بجابية الخولان ثم أتبعه العامل ببعض مال جهزه العساكر‏.‏ وجاء العسكر ليلاً وأوقد المشاعل وضرب الطبول ونفخ البوقات فظنهم الروم عسكر العرب جاءوا من خلفهم وأنهم أحيط بهم فأجفلوا وتساقطوا في الوادي وذهبوا طوائف إلى دمشق وغيرها من ممالك الروم‏.‏ ولحق ماهاب بطور سيناء وترهب إلى أن هلك وأتبع المسلمون الفل مع منصور إلى دمشق وحاصروها ستة أشهر فرقوا على أبوابها‏.‏ ثم طلب منصور العامل الأمان للروم من خالد فأمنه ودخل المدينة من الباب الشرقي وتسامع الروم الذين بسائر الأبواب فهربوا وتركوها‏.‏ ودخل منها الأمراء الآخرون عنوة ومنصور ينادي بأمان خالد فاختلف المسلمون قليلاً ثم اتفقوا على أمان الروم الذين كانوا بالإسكندرية بعد أن افتتحها عمرو بن العاصي ركبوا إليه البحر ووافوه بها‏.‏ ثم هلك هرقل لإحدى وعشرين من الهجرة ولإحدى وثلاثين من ملكه‏.‏ فملك على الروم بقسطنطنية قسطنطين وقتله بعض نساء أبيه لستة أشهر من ملكه‏.‏ وملك أخوه هرقل بن هرقل‏.‏ ثم تشاءم به الروم فخلعوه وقتلوه وملكوا عليهم قسطنطينيوس بن قسطنطين فملك ست عشرة سنة ومات لسابعة وثلاثين من الهجرة‏.‏ وفي أيامه غزا معاوية بلاد الروم سنة أربع وعشرين وهو يومئذ أمير على الشام في خلافة عمر بن الخطاب فدوخ البلاد وفتح منها مدناً كثيرة وقفل ثم أغزى عساكر المسلمين إلى قبرص في البحر ففتح منها حصوناً وضرب الجزية على أهلها وذلك سنة سبع وعشرين‏.‏ وكان عمرو بن العاصي لما فتح الإسكندرية كتب لبنيامين بطرك اليعاقبة بالأمان فرجع بعد ثلاث عشرة من مغيبه وكان ولاه هرقل في أول الهجرة كما قدمنا‏.‏ وملك الفرس مصر والإسكندرية عشر سنين عند حصار قسطنطينية أيام هرقل ثم غاب عن الكرسي عندما ملك الفرس وقدموا الملكية وبقي غائباً ثلاث عشرة سنة أيام الفرس عشرة وثلاث من ملكة المسلمين‏.‏ ثم أمنه عمرو بن العاصي فعاد ثم مات في تاسعة وثلاثين من الهجرة وخلفه في مكانه أغاثوا فملك سبع عشرة سنة‏.‏ ولما هلك قسنطينوس بن قسطنطين في سابعة وثلاثين من الهجرة كما قلناه ملك على الروم في القسطنطينية ابنه يوطيانوس فمكث اثنتي عشرة سنة وتوفي سنة خمسين فملك بعده طيباريوس ومكث سبع سنين‏.‏ وفي أيامه غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في عساكر المسلمين وحاصرها مدة ثم أفرج عنها واستشهد أبو أيوب الأنصاري في حصارها ودفن في ساحتها‏.‏ ولما قفل عنها توعدهم بتعطيل كنائسهم بالشام إن تعرضوا لقبره‏.‏ ثم قتل طيباريوس قيصر سنة ثمان وخمسين وملك أوغسطس قيصر‏.‏ وفي أيام ولايته مات أغاثوا بطرك اليعاقبة القبط بإسكندرية وقدم مكانه يوحنا‏.‏ ثم قتل أوغسطس قيصر ذبحه بعض عبيده سنة ‏)‏‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏(‏ وملك ابنه أصطفانيوس وكان لعهد عبد الملك بن مروان وفي سنة خمس وستين من الهجرة زاد عبد الملك في المسجد الأقصى وأدخل الصخرة في الحرم‏.‏ ثم خلع أصطفانيوس ثم ملك بعده لاون ومات سنة ثمان وسبعين وملك طيباريوس سبع سنين ومات سنة ست وثمانين فملك سطيانوس وذلك في أيام الوليد بن عبد الملك وهو الذي بنى مسجد بني أمية بدمشق‏.‏ ويقال إنه أنفق فيه أربعمائة صندوق في كل صندوق أربعمائة عشر ألف دينار‏.‏ وكان فيه من جملة الفعلة اثنا عشر ألف مرخم‏.‏ ويقال كانت فيه ستمائة سلسلة من الذهب لتعليق القناديل‏.‏ فكانت تغشى عيون الناظرين وتفتن المسلمين فأزالها عمر بن عبد العزيز وردها إلى بيت المال‏.‏ وكان الوليد لما اعتزم على الزيادة في المسجد أمر بهدم كنيسة النصارى وكانت ملاصقة للمسجد فأدخلها فيه وهي معروفة عندهم بكنيسة مار يوحنا‏.‏ ويقال إن عبد الملك طلبهم في ذلك فامتنعوا وأن الوليد بذل لهم فيها أربعين ألف دينار فلم يقبلوا فهدمها ولم يعطهم شيئاً‏.‏ وشكوا أمرها إلى عمر بن عبد العزيز وجاؤوا بكتاب خالد بن الوليد وعهده أن لا تخرب كنائسهم ولا تسكن فراودهم على أخد الأربعين ألفاً التي بذل لهم الوليد فأبوا فأمر أن ترد عليهم فعظم ذلك على الناس‏.‏ وكان قاضيه أبو إدريس الخولاني فقال لهم‏:‏ تتركون هذه الكنيسة في الكنائس التي في العنوة في المدينة وإلا هدمناها فأذعنوا وكتب لهم عمر الأمان على ما بقي من كنائسهم‏.‏ وفي سنة ست وسبعين بعث كاتب الخراج إلى سليمان بن عبد الملك بأن مقياص حلوان بطل فأمر ببناء مقياس في الجزيرة بين الفسطاط والجزيرة فهو لهذا العهد‏.‏ وفي سنة إحدى ومائة من الهجرة ملك تداوس على الروم سنة ونصفاً ثم ملك بعده لاون أربعاً وعشرين سنة وبعده ابنه قسطنطين وفي سنة ثلاث عشرة ومائة غزا هشام بن عبد الملك الصائفة اليسرى وأخوه سليمان الصائفة اليمنى ولقيهم قسطنطين في جموع الروم فانهزموا وأخذ أسيراً ثم أطلقوه بعد‏.‏ وفي أيام مروان بن محمد وولاية موسى بن نصير لقي النصارى بالإسكندرية ومصر شدة وأخذوا بغرامة المال واعتقل بطرك الإسكندرية أبي ميخايل‏.‏ وطلب بجملة من المال فبذلوا موجودهم وانطلقوا يستسعون ما يحصل لهم من الصدقة‏.‏ وبلغ ملك النوبة ما حل بهم فزحف في مائة ألف من العساكر إلى مصر فخرج إليه عامل مصر فرجع من غير قتال‏.‏ وفي أيام هشام ردت كنائس الملكية من أيدي اليعاقبة وولي عليهما بطرك قريباً من مائة سنة كانت رياسة البطرك فيها لليعاقبة وكانوا يبعثون الأساقفة للنواحي ثم صارت النوبة من ورائهم للحبشة يعاقبة‏.‏ ثم ملك بالقسطنطينية رجل من غير بيت الملك اسمه جرجس فبقي أيام السفاح والمنصور وأمره مضطرب‏.‏ ثم مات وملك بعده قسطنطين بن لاون وبنى المدن وأسكن أهل أرمينية وغيرها‏.‏ ثم مات قسطنطين بن لاون وملك ابنه لاون‏.‏ ثم هلك لاون وملك بعده نقفور‏.‏ وفي سنة سبع وثمانين ومائة غزا الرشيد هرقلة ودوخ جهاتها وصالحه نقفور ملك الروم على الجزية فرجع إلى الرقة وأقام شاتياً وقد كلب البرد‏.‏ وأمن نقفور رجوعهم فانتقض فعاد إليه الرشيد وأناخ عليه حتى قرر الموادعة والجزية عليه ورجع ودخلت عساكر الصائفة بعدها من درب الصفصاق فدوخوا أرض الروم‏.‏ وجمع نقفور ولقيهم فكانت عليه هزيمة شنعاء قتل فيها أربعون ألفاً ونجا يقفور جريحاً‏.‏

وفي سنة تسعين ومائة دخل الرشيد بالصائفة إلى بلاد الروم في مائة وخمسة وثلاثين ألفاً سوى المطوعة وبث السرايا في الجهات وأناخ على هرقلة ففتحها وبلغ سبيها ستة عشر ألفاً‏.‏ وبعث نقفور بالجزية فقبل وشرط عليهم أن لا يعمر هرقلة‏.‏ وهلك نقفور في خلافة الأمين وولى ابنه أستبران قيصر‏.‏ وغزا المأمون سنة خمس عشرة ومائتين إلى بلاد الروم ففتح حصوناً عدة ورجع إلى دمشق‏.‏ ثم بلغه أن ملك الروم غزا طرسوس والمصيصة وقتل منها نحواً من ألف وستمائة رجل فرجع وأناخ على أنطواغوا حتى فتحها صلحاً وبعث المعتصم ففتح ثلاثين من حصون الروم وبعث يحيى بن أكثم بالعساكر فدوخ أرضهم‏.‏ ورجع المأمون إلى دمشق‏.‏ ثم دخل بلاد الروم وأناخ على مدينة لؤلؤة مائة يوم وجهز إليها العساكر مع عجيف مولاه‏.‏ ورجع ملك الروم فنازل عجيفاً فأمده المأمون بالعسكر فرحل عنه ملك الروم وافتتح لؤلؤة صلحاً‏.‏ ثم سار المأمون إلى بلاد الروم ففتح سلعوس والبروة وبعث ابنه العباس بالعساكر فدوخ أرضهم وبنى مدينة الطولية ميلاً في ميل وجعل لها أربعة أبواب‏.‏ ثم دخل غازياً بلاد الروم ومات في غزاته سنة ثمان عشرة ومائتين‏.‏ وفي أيامه غلب قسطنطين على مملكة الروم وطرد ابن نقفور عنها‏.‏ وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين فتح المعتصم عمورية وقصتها معروفة في أخباره‏.‏ وأغفلنا من كلامه أخبار البطاركة من لدن فتح الإسكندر لأنا رأيناه مستغنى عنه وقد صارت بطركيتهم الكبرى التي كانت بالإسكندرية بمدينة رومة وهي هنالك للملكية ويسمونه البابا ومعناه أبو الآباء‏.‏ وبقي ببلاد مصر بطرك اليعاقبة على المعاهدين من النصارى بتلك الجهات وعلى ملوك النوبة والحبشة‏.‏ وأما المسعودي فذكر ترتيب هؤلاء القياصرة من بعد الهجرة والفتح كما ذكره ابن العميد‏.‏ قال‏:‏ والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين كان ملك الروم فيها لهرقل‏.‏ قال‏:‏ وفي كتب أهل السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق ثم كان بعده ابنه قيصر بن قيصر أيام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمر وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشام أيام أبي عبيدة وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان فاستقر بالقسطنطينية‏.‏ وبعده مورق بن هرقل أيام عثمان وبعده مورق بن مورق أيام علي ومعاوية وبعده قلفط بن مورق آخر أيام معاوية وأيام يزيد ومروان بن الحكم وكان معاوية يراسله ويراسل أباه مورق وكانت تختلف إليه علامة نياق وبشره مورق بالملك وأخبره أن عثمان يقتل وأن الأمر يرجع إلى معاوية وهادى ابنه قلفط حين سار إلى حرب علي رضي الله عنه‏.‏ ثم نزلت جيوش معاوية مع ابنه اليزيد قسطنطينية وهلك عليها في حصاره أبو أيوب الأنصاري‏.‏ ثم ملك بعد قلفط بن مورق لاون بن قلفط أيام عبد الملك بن مروان وبعده جيرون بن لاون أيام الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز‏.‏ ثم غشيهم المسلمون في ديارهم وغزوهم في البر والبحر ونازل مسلمة القسطنطينية واضطرب ملك الروم وملك عليهم جرجس بن مرعش وملك تسع عشرة سنة ولم يكن من بيت الملك‏.‏ ولم يزل أمرهم مضطرب إلى أن ملك عليهم قسطنطين بن ألبون وكانت أمه مستبدة عليه لمكان صغره ومن بعده نقفور بن استيراق أيام الرشيد وكانت له معه حروب وغزاه الرشيد فأعطاه الانقياد ودفع إليه الجزية‏.‏ ثم نقض العهد فتجهز الرشيد إلى غزوه ونزل هرقلة وافتتحها سنة تسعين ومائة وكانت من أعظم مدائن الروم‏.‏ وانقاد نقفور بعد ذالك وحمل الشروط‏.‏ وملك بعده استيراق بن نقفور أيام الأمين وغلب عليه قسطنطين بن قلفط وملك أيام المأمون وبعده نوفيل أيام المعتصم واسترد زبطرة ونازل عمورية وافتتحها وقتل من كان بها من أمم النصرانية‏.‏ ثم ملك ميخائيل بن نوفيل أيام الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين‏.‏ ثم تنازع الروم وملكوا عليهم نوفيل بن ميخاييل ثم غلب على الملك بسيل الصقلبي ولم يكن من بيت الملك‏.‏ وكان ملكه أيام المعتز والمهتدي وبعضاً من أيام المعتمد ومن بعده إليون بن بسيل بقية أيام المعتمد وصدراً من أيام المعتضد‏.‏ ومن بعده الإسكندروس ونقموا سيرته فخلعوه وملكوا أخاه لاوي بن إليون بقية أيام المعتضد والمكتفي وصدراً من أيام المقتدر‏.‏ ثم هلك وملك ابنه قسطنطين صغيراً وقام بأمره أرمنوس بطريق البحر وزوجه ابنته ويسمى الدمستق وهو الذي كان يحارب سيف الدولة ملك الشام من بني حمدان‏.‏ واتصل ذلك أيام المقتدر والقاهر والراضي والمتقي‏.‏ وافترق أمر الروم وأقام بعض بطارقتهم ويعرف أستفانوس في بعض النواحي وخوطب بالملك أرمنوس بطركاً بكرسي القسطنطينية‏.‏ إلى هنا انتهى كلام المسعودي‏.‏ وقال عقبه فجميع سني الروم المتنصرة من أيام قسطنطين بن هلانة إلى عصرنا وهو حدود الثلثمائة والثلاثين للهجرة خمسمائة سنة وسبع سنين وعدد ملوكهم إحدى وأربعون ملكاً قال‏:‏ فيكون ملكهم إلى الهجرة مائة وخمساً وسبعين سنة‏.‏ وفي تاريخ ابن الأثير‏:‏ إن أرمانوس لما مات ترك ولدين صغيرين وكان الدمستق على عهده قوقاش وملك ملطية من يد المسلمين بالأمان سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة وكان أمر الثغور لسيف الدولة بن حمدان‏.‏ وملك قوقاشق مرعش وعرزربة وحصونهما وأوقع بجابية طرسوس مراراً وسار سيف الدولة في بلادهم فبلغ خرشنة وصارخة ودوخ البلاد وفتح حصوناً عدة‏.‏ ثم رجع ثم ولى أرمانوس نقفور دمستقاً‏.‏ واسم الدمستق عندهم على من يلي شرقي الخليج حيث ملك ابن عثمان لهذا العهد‏.‏ فأقام نقفور دمستقاً‏.‏ وهلك أرمانوس وترك ولدين صغيرين وكان نقفور غائباً في بلاد المسلمين فلما رجع اجتمع إليه زعماء الروم وقدموه لتدبير أمر الولدين وألبسوه التاج‏.‏ وسار إلى بلاد المسلمين سنة إحدى وخمسين وثلثمائة إلى حلب فهزم سيف الدولة وملك البلد وحاصر القلعة فامتنعت عليه‏.‏ وقتل ابن أخت الملك في حصارها فقتل جميع الأسرى الذين عنده‏.‏ ثم بنى سنة ست وخمسين مدينة بقيسارية ليجلب منها على بلاد الإسلام فخافه أهل طرسوس واستأمنوا إليه فسار إليهم وملكها بالأمان‏.‏ وملك المصيصة عنوة‏.‏ ثم بعث أخاه في العساكر سنة تسع وخمسين إلى حلب فملكها وهرب أبو المعالي بن سيف الدولة إلى البرية وصالحه مرعويه بعد أن امتنع بالقلعة ورجع‏.‏ ثم إن أم الملكين ابني أرمانوس اللذين كانا مكفولين له استوحشت منه وداخلت في قتله ابن الشميشق فقتله سنة ستين وقام ابن أرمانوس الأكبر وهو بسيل بتدبير ملكه وجعل ابن الشميشق دمستقاً وقام على الأورق أخي نقفور وعلى ابنه ورديس ابن لاون واعتقلهما وسار إلى الرها وميافارقين‏.‏ وعاث في نواحيهما وصانعه أبو تغلب بن حمدان صاحب الموصل بالمال فرجع ثم خرج سنة اثنتين وستين‏.‏ فبعث أبو تغلب ابن عمه أبا عبد الله بن حمدان فهزمه وأسره وأطلقه‏.‏ وكان لأم بسيل أخ قام بوزارتها فتحيل في قتل ابن الشميشق بالسم‏.‏ ثم ولى بسيل بن أرمانوس سقلاروس دمستقاً فعصى عليه سنة خمس وستين وطلب الملك لنفسه ثم خرج على بسيل ورد بن منير من عظماء البطاركة واستجاش بأبي تغلب بن حمدان وملكوا الأطراف وهزم عساكر بسيل مرة بعد مرة‏.‏ فأطلق ورديس لاون وهو ابن أخي نقفور من معقله وبعثه في العساكر لقتاله فهزمه ورديس‏.‏ ولحق ورد بن منير بميافارقين صريخاً بعضد الدولة وراسله بسيل في شأنه فجنح عضد الدولة إلى بسيل وقبض على ورديس واعتقله ببغداد ثم أطلقه ابنه صمصام الدولة لخمس سنين من اعتقاله وشرط عليه إطلاق أسرى المسلمين والنزول عن حصون عدة من معاقل الروم وأن لا يغير على بلاد الإسلام‏.‏ وسار فاستولى على ملطية ومضى إلى القسطنطينية فحاصرها وقتل ورديس بن لاون‏.‏ واستنجد بسيل بملك الروم وزوجه أخته ثم صالح ورداً على ما بيده‏.‏ ثم هلك ورد بعد ذلك بقليل واستولى بسيل على أمره وسار إلى قتال البلغار فهزمهم وملك بلادهم وعاث فيها أربعين سنة‏.‏ واستمد صاحب حلب أبو الفضائل بن سيف الدولة‏.‏ فلما زحف إليه منجوتكين صاحب دمشق من قبل الخليفة بمصر سنة إحدى وثمانين فجاء بسيل لمدده وهزمه منجوتكين ورجع مهزوماً‏.‏ ورجع منجوتكين إلى دمشق ثم عاودوا الحصار فجاء بسيل صريخاً لأبي الفضل فأجفل منجوتكين من مكانه على حلب وسار إلى حمص وشيزر فملكها وحاصر طرابلس وصالحه ابن مروان على ديار بكر ثم بعث الدوقس الدمستق إلى أمامه فبعث إليه صاحب مصر أبا عبد الله بن ناصر الدولة بن حمدان في العساكر فهزمه وقتله‏.‏ ثم هلك بسيل سنة عشر وأربعمائة لنيف وسبعين من ملكه وملك بعده أخوه قسطنطين وأقام تساً ثم هلك عن ثلاث بنات‏.‏ فملك الروم عليهم الكبرى منهن وأقام بأمرها ابن خالها أرمانوس وتزوجت به فاستولى على مملكة الروم‏.‏ وكان خاله ميخاييل متحكماً في دولته ومداخلاً لأهله فمالت إليه الملكة وحملته على قتل أرمانوس فقتله واستولى على الأمر‏.‏ ثم أصابه الصرع وآذاه فعمد لابن أخته واسمه ميخاييل أيضاً وكان أرمانوس قد خرج سنة إحدى وعشرين إلى حلب في ثلاثة آلاف مقاتل ثم خار عن اللقاء فاضطرب ورجع واتبعه العرب فنهبوا عساكره‏.‏ وكان معه ابن الدوقس من عظماء البطارقة فارتاب وقبض عليه‏.‏ وخرج سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة في جموع الروم فملك الرها وسروج وهزم عساكر ابن مروان‏.‏ ولما ملك ميخاييل سار إلى بلاد الإسلام فلقيه الدربري صاحب الشام من قبل العلوية فهزمه واقتصر الروم بعدها عن الخروج إلى بلاد الإسلام‏.‏ وملك ميخاييل ابن أخته كما قلناه وقبض على أخواله وقرابتهم وأحسن السيرة في المملكة‏.‏ ثم طلب زوجته في الخلع فأبت فنفاها إلى بعض الجزائر واستولى على المملكة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة‏.‏ ونكر عليه البترك ما وقع فيه فهم بقتله ودخل بعض حاشيته في ذلك‏.‏ ونمى الخبر إلى البترك فنادى في النصرانية بخلعه وحاصره في قصره واستدعى الملكة التي خلعها ميخاييل من مكانها وأعادوها إلى الملك فنفت ميخاييل كما نفاها أولاً‏.‏ ثم اتفق البترك والروم على خلع الملكة بنت قسطنطين وملكوا أختها الأخرى تودورة وسلموا ميخاييل لها‏.‏ ثم وقعت الفتنة بين شيعة تودورة وشيعة ميخاييل واتصلت‏.‏ وطلب الروم أن يملكوا عليهم من يمحو هذه الفتنة وأقرعوا على المرشحين فخرجت القرعة على قسطنطين منهم فملكوه أمرهم وتزوج بالملكة الصغيرة تودورة وجعلت أختها الكبرى على ما بذلته لها وذلك سنة أربع وثلاثين وأربعمائة‏.‏ ثم توفي قسطنطين سنة ست وأربعين وملك على الروم أرمانوس وقارن ذلك بظهور الدولة السلجوقية واستيلاء طغرلبك على بغداد فردد الغزو إليهم من ناحية أذربيجان‏.‏ ثم سار ابنه الملك ألبأرسلان وملك مدناً من بلاد الكرج منها مدينة آي وأثخن في بلادهم‏.‏ ثم سار ملك الروم إلى منبج وهزم ابن مرداس وابن حسان وجموع العرب فسار ألبأرسلان إليه سنة ثلاث وستين وخرج أرمانوس في مائتي ألف من الروم والعرب والدوس والكرج ونزل على نواحي أرمينية فزحف إليه ألبأرسلان من أذربيجان فهزمه وحصل في أسره ثم فاداه على مال يعطيه وأجروه عليه وعقد معه صلحاً‏.‏ وكان أرمانوس لما انهزم وثب ميخاييل بعده على مملكة الروم فلما انطلق من الأسر ورجع دفعه ميخاييل عن الملك والتزم أحكام الصلح الذي عقده معه ألبأرسلان وترهب أرمانوس‏.‏ إلى هنا انتهى كلام ابن الأثير‏.‏ ثم استفحل ملك الافرنج بعد ذلك واستبدوا بملك رومة وما وراءها وكان الروم لما أخذوا بدين النصرانية حملوا عليه الأمم المجاورين لهم طوعاً وكرهاً فدخل فيه طوائف من الأمم منهم الأرمن وقد تقدم نسبهم إلى ناحور أخي إبراهيم عليه السلام وبلدهم أرمينية وقاعدتها خلاط ومنهم الكرج وهم من شعوب الروم وبلادهم الخزر بين أرمينية والقسطنطينية شمالاً في جبال ممتنعة ومنهم الجركس في جبال بالعدوة الشرقية من بحر نيطش وهم من شعوب الترك ومنهم الروس في جزائر ببحر نيطش وفي عدوته الشمالية ومنهم البلغار نسبة إلى مدينة لهم في العدوة الشمالية أيضاً من بحر نيطش ومنهم البرجان أمة كبيرة متوغلون في الشمال لا تعرف أخبارهم لبعدها‏.‏ وهؤلاء كلهم من شعوب الترك وأعظم من أخذ به من الأمم الافرنج وقاعدة بلادهم فرنجة ويقولون فرنسة بالسين وملكهم الفرنسيس وهم في بسائط على عدو البحر الرومي من شماليه وجزيرة الأندلس من ورائهم في المغرب تفصل بينهم وبينها جبال متوعرة ذت مسالك ضيقة يسمونها ألبون وساكنها الجلالقة من شعوب الافرنج وهؤلاء فرنسة أعظم ملوك الافرنجة بالعدوة الشمالية من هذا البحر واستولوا من الجزير البحرية منه على صقلية وقبرص وأقريطش وجنوة واستولوا أيضاً على قطعة من بلاد الأندلس إلى برشلونة واستفحل ملكهم بعد القياصرة الأول‏.‏ ومن أمم الافرنجة البنادقة وبلادهم حفافي خليج يخرج من بحر الروم متضايقاً إلى ناحية الشمال ومغرباً بعض الشيء على سبعمائة ميل من البحر‏.‏ وهذا الخلج مقابل لخليج القسطنطيية‏.‏ وفي القرب منه وعلى ثمان مراحل من بلاد جنوة ومن وراءها مدينة رومة حاضرة الافرنجة ومدينة ملكهم وبها كرسي البطرك الأكبر الذي يسمونه البابا‏.‏ ومن أمم الافرنجة الجلالقة وبلادهم الأندلس وهؤلاء كلهم دخلوا في دين النصرانية تبعاً للروم إلى من دخل فيهم منهم من أمم السودان والحبشة والنوبة ومن كان على ملكة الروم من برابرة العدوة بالمغرب مثل نغزاوة هوارة بأفريقية والمصامدة بالمغرب الأقصى‏.‏ واستفحل ملك الروم ودين النصرانية‏.‏ ولما جاء الله بالإسلام وغلب دينه على الأديان وكانت مملكة الروم قد انتشرت في حفافي البحر الرومي من عدوتيه فانتزعوا منهم لأول أمرهم عدوته الجنوبية كلها من الشام ومصر وأفريقية والمغرب وأجازوا من خليج طنجة فملكوا الأندلس كلها من يد القوط والجلالقة وضعف أمر الروم وملكهم بعد الانتهاء إلى غايته شأن كل أمة‏.‏ ثم شغل الافرنجة بما دهمهم من الغرب في الأندلس والجزائر بما كانوا يتخيمونهم ويرددون الصوائف إلى بسائطهم أيام عبد الرحمن الداخل وبنيه بالأندلس وعبد الله الشيعي وبنيه بالأفريقية‏.‏ وملكوا عليهم جزائر البحر الرومي التي كانت لهم صقلية وميورقة ودانية وإخواتها إلى أن فشل ريح الدولتين وضعف ملك العرب فاستفحل الإفرنجة ورجعت لهم واسترجعوا ما ملكه المسلمون إلا قليلاً بسيف البحر الرومي مضائق العرض في طول أربع عشرة مرحلة واستولوا على جزائر البحر كلها‏.‏ ثم سموا إلى ملك الشام وبيت المقدس مسجد أنبيائهم ومطلع دينهم فسربوا إليه آخر المائة الخامسة وتواثبوا على الأمصار والحصون وسواحله‏.‏ ويقال‏:‏ إن المستنصر العبيدي هو الذي دعاهم لذلك وحرضهم عليه لما رجا فيه من اشتغال ملوك السلجوقية بأمرهم واقامتهم سداً بينه وبينهم عندما سموا إلى ملك الشام ومصر‏.‏ وكان ملك الإفرنجة يومئذ اسمه بردويل وصهره روجيه ملك صقلية من أهل طاعته‏.‏ فتظاهروا على ذلك وساروا إلى القسطنطينية سنة إحدى وتسعين ليجعلوها طريقاً إلى الشام فمنعهم ملك الروم يومئذ ثم أجازهم على أن يعطوه ملطية إذا ملكوها فقبلوا شرطه ثم ساروا إلى بلاد ابن قلطمش وقد استولى يومئذ على مرية وأعمالها وأرزن الروم وأقصر وسيواس‏.‏ بينهم وبين الروم بالقسطنطينية واستنجد كل منهم بملوك المسلمين في ثغور الشام والجزيرة وعظمت الفتن في تلك الآفاق ودامت الحال على ذلك نحواً من مائة سنة وملك الروم بالقسطنطينية في تناقص واضمحلال‏.‏ وكان روجيه صاحب صقلية يغزو القسطنطينية من البحر ويأخذ ما يجد في مرساها من سفن التجار وشواني المدينة‏.‏ ولقد دخل جرجي بن ميخاييل صاحب أسطوله إلى ميناء القسطنطينية سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورمى قصر الملك بالسهام‏.‏ فكانت تلك أنكى على الروم من كل ناحية‏.‏ ثم كان استيلاء الإفرنج على القسطنطينية آخر المائة السادسة وكان من خبرها أن ملك الروم بالقسطنطينية أصهر إلى الفرنسيس عظيم ملوك الإفرنج في أخته فزوجها له الفرنسيس وكان له منها ابن ذكر‏.‏ ثم وثب بملك الروم أخوه فسمله وملك القسطنطينية مكانه ولحق الابن بخاله الفرنسيس صريخاً به على عمه فوجده قد جهز الأساطيل لارتجاع بيت المقدس واجتمع فيها ثلاثة من ملوك الإفرنجة بعساكرهم‏:‏ دوقس البنادقة صاحب المراكب البحرية وفي مراكبه كان ركوبهم وكان شيخاً أعمى نقاداً ذا ركب والمركس مقدم الفرنسيس وكيدفليد وهو أكبرهم فأمر الفرنسيس بالجواز على القسطنطينية ليصلحوا بين ابن أخته وبين عمه ملك الروم‏.‏ فلما وصلوا إلى مرسى القسطنطينية خرج عمه وحاربهم فهزموه ودخلوا البلد وهرب إلى أطراف البلد وقتل حاضروه وأضرموا النار في البلد فاشتغل الناس بها وأدخل الصبي بشيعته فدخل الإفرنج معه وملكوا البلد وأجلسوا الصبي في ملكه وساء أثرهم في البلد وصادروا أهل النعم وأخذوا أموال الكنائس وثقلت وطأتهم على الروم فعقلوا الصبي وأخرجوهم واستدعوا ملكهم عم الصبي من مكان مقره وملكوه عليهم‏.‏ وحاصرهم الإفرنج فاستنجد بسليمان بن قليج أرسلان صاحب قونية وبلاد الروم شرقي الخليج وكان في البلد خلق من الإفرنج فقبل أن يصل سليمان ثاروا فيها وأضرموا النيران حتى شغل بها الناس وفتحوا الأبواب فدخل الإفرنج واستباحوها ثمانية أيام حتى أقفرت‏.‏ واعتصم الروم بالكنيسة العظمى منها وهي صوفيا‏.‏ ثم خرجت جماعة القسيسين والأساقفة والرهبان في أيديهم الإنجيل والصلبان فقتلوهم أجمعين ولم يراعوا لهم ذمة ولا عهداً‏.‏ ثم خلعوا الصبي واقترعوا ثلاثتهم على الملك فخرجت القرعة على كيدفليد كبيرهم فملكوه على القسطنطينية وما يجاورها وجعلوا لدوقس البنادقة الجزائر البحرية مثل أقريطش ورودس وغيرهما وللمركيس مقدم الفرنسيس البلاد التي في شرقي الخليج‏.‏ ثم تغلب عليهم بفريق من بطارقة الروم اسمه لسكري ودفع عنها الإفرنج وبقيت بيده واستولى بعدها على القسطنطينية وكان اسمه ميخاييل‏.‏ وفي كتاب المؤيد صاحب حماة أنه أقام ببعض الحصون ثم بنيت القسطنطينية وملكها وفر الإفرنج في مراكبهم وملكه الروم وقتل الذي كان ملكاً قبله‏.‏ وتوفي سنة إحدى وثمانين وستمائة وعقد معه الصلح المنصور قلاون صاحب مصر والشام لذلك العهد‏.‏ قال‏:‏ وملك بعده ابنه ماند ويلقب الدوقس وشهرتهم جميعاً اللسكري‏.‏ ثم انقرضت دولة بني قليج أرسلان وملك أعمالهم التتر كم نذكر في أخبارهم وبقي بني اللسكري ملوكاً على القسطنطينية إلى هذا العهد‏.‏ وملك شرقي الخليج بعد انقضاء دولة التتر من بلاد الروم ابن عثمان جق أمير التركمان وهو الآن على صاحب القسطنطينية ومتغلب على نواحيه من سائر جهاته‏.‏ هذا ما بلغنا من أخبار الروم من أول دولتهم منذ يونان والقياصرة لهذا العهد‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

  الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالإندلس إلى حين الفتح الإسلامي وأولية ذلك ومصايره

هذه الأمة من أمم أهل الدولة العظيمة المعاصرة لدول الطبقة الثانية من العرب وقد ذكرناهم عقب اللطينين لأن الملك صار إليهم من بينهم كما ذكرناه‏.‏

  الخبر عن هم أنهم كانوا يعرفون في الزمن القديم بالسيسيين نسبة إلى الأرض التي كانوا يعمرونها بالمشرق

فيما بين الفرس واليونان وهم في نسبهم إخوة الصين ولد ماغوغ بن يافث وكانت لهم مع الملوك السريانيين حروب موصوفة زحف إليهم فيها مومن مالي ملك سريان فدافعوه لعهد إبراهيم الخليل عليه السلام‏.‏ ثم كانت لهم حروب مع الفرس عند تخريب بيت المقدس وبناء رومة‏.‏ ثم غلبهم الإسكندر وصاروا في ملكته واندرجوا في قبائل الروم ويونان‏.‏ ثم لما ضعف أمر الروم بعد الإسكندر وتغلبوا على بلاد الغريقيين ومقدونية ونبطة أيام غلينوش بن بارايان من ملوك القياصرة وكانت بينه وبينه حروب سجال‏.‏ ثم غلبهم القياصرة من بعدد وظفروا بهم حتى إذا انتقل القياصرة إلى القسطنطينية وفشل أمرهم برومة زحف إليها هؤلاء القوط واقتحموها عنوة فاستباحوها ثم خرجوا عنها أيام طودوسيوس ابن أركاديوس بعد حروب كثيرة‏.‏ وكان أميرهم لذلك العهد أنطرك كما ذكرناه‏.‏ ومات لعهده طودوسيوس وأراد أن يجعل اسمه سمة الملوك برومة منهم مكان سمة قيصر فاختلف عليه أصحابه في ذلك فرجع عنه‏.‏ ثم صالح الرومانيين على أن يكون له ما يفتح من بلاد الأندلس لما كان أمر الرومانيين قد ضعف عن الأندلس ولحق بها ثلاث طوائف من الغريقيين فاقتسموا ملكها وهم الأبيون والشوانيون والفندلس وباسم فندلس سميت الأندلس‏.‏ وكان بالأندلس من قبلهم الأرباريون من ولد طوال بن يافث وهم أخوة الأنطاليس سكنوها من بعد الطوفان وصاروا إلى طاعة أهل رومة حتى دخل إليهم هؤلاء الطوالع من الغريقيين عندما اقتحم القوط مدينة رومة وغلبوا الأمم الذين كانوا بها من ولد طوال‏.‏ وقد يقال‏:‏ إن هؤلاء الطوالع كلهم من ولد طوال بن يافث وليسوا من الغريقيين‏.‏ واقتسم هؤلاء الطوالع ملكها وكانت جلقية لفندلس ولشبونة وماردة وطليطلة ومرسية لشوانش وكانوا أشرافهم‏.‏ وكانت إشبيلية وقرطبة وجيان وطالعة للأنبيق وأميرهم عند ريقش أخو لشيقش أربعين سنة حين زحف إليهم القوط من رومة‏.‏ وكان قد ولى عليهم بعد أطفانش ملك آخر منهم اسمه طشريك وقتله الرومانيون وولي مكانه منهم ماستة ثلاث سنين وزوج أخته من طودوسيوس ملك الرومانيين وصالحه على أن يكون له ما يفتحه من الأندلس‏.‏ ثم مات وولي مكانه لزريق ثلاث عشرة سنة وهو الذي زحف إلى الأندلس وقتل ملوكها وطرد الطوائف الذين كانوا بها فأجازوا إلى طنجة وتغلبوا على بلاد البربر وصرفوا البربر الذين كانوا بالعدوة عن طاعة القسطنطين إلى طاعتهم فلم يزالوا على ذلك إلى دولة يستنيانوس نحواً من ثمانين سنة‏.‏ ثم هلك طوريق ملك القوط بالأندلس وولي مكانه ‏)‏‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏(‏ سبع عشرة سنة وانتقض عاصيه اليسكتس إحدى طوائف القوط فزحف إليهم وردهم إلى طاعته‏.‏ ثم هلك وولي بعده الديك ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ وكانت الإفرنج لعهده قد طمعوا في ملك الأندلس وأن يغلبوا عليها القوط فجمعوا لهم وملكوا على أنفسهم منهم فزحف إليهم الديك في أمم القوط إلى أن توغل في بلاد الإفرنج فغلبوه وقتلوه وعامة أصحابه‏.‏ وكانت القوط قبل دخولهم إلى الأندلس فرقتين كما ذكرنا في دولة بلنسيان بن قسطنطين من القياصرة المتنصرة وكانت إحدى الفرقتين قد أقامت بمكانها من نواحي رومة فلما بلغهم خبر الديك صاحب الأندلس منهم امتعضوا لذلك وكان أميرهم طودريك منهم فزحف إلى الإفرنج وغلبهم على ما كانوا يملكونه من الأندلس‏.‏ ودخل القوط الذين كانوا بالأندلس في طاعته فولي عليهم ابنه أشتريك ورجع إلى مكانه من نواحي رومة فزحف الإفرنج إلى محاربة اشتريك حتى غلبوه على طلوسة من ناحيتهم‏.‏ وهلك اشتريك بعد خمس سنين من ملكه وولي عليهم بعده بشليقش أربع سنين ثم بعده طودريق إحدى وستين سنة وقتله بعض أصحابه بإشبيلية وولي بعده أبرليق خمس سنين وبعده طودس ثلاث عشرة سنة وبعده طودشكل سنتين وبعده أيلة خمس سنين‏.‏ وانتقض عليه أهل قرطبة فحاربهم وتغلب عليهم‏.‏ وبعده طنجاد خمس عشرة سنة وبعده ليولة سنة واحدة وبعده لوبليدة ثماني عشرة سنة‏.‏ وانتقضت عليه الأطراف فحاربهم وسكنهم ونكر عليه النصارى تثليث أريش وراودوه على الأخذ بتوحيدهم الذين يزعمونه فأبى وحاربهم فقتل وولي ابنه زدرق ست عشرة سنة ورجع إلى توحيد النصارى بزعمهم وهو الذي بنى البلاد المنسوبة إليه بقرطبة‏.‏ ولما هلك ولي بعده على القوط ليوبة سنتين وبعده تبديقا عندمار سنتين وبعده شيشوط ثماني سنين وعلى عهده كان هرقل ملك قسطنطينية والشام‏.‏ ولعهده كانت الهجرة‏.‏ وهلك شيشوط ملك القوط وولي بعده زدريق آخر منهم ثلاثة أشهر وبعده شتله ثلاث سنين‏.‏ وبعده سنشادش خمس سنين وبعده خنشوند سبع سنين وبعده وجنشوند ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ ولهذه العصور أبتدأ ضعف الأحكام للقوط‏.‏ وبعده مانيه ثمان سنين وبعده لوري ثمان سنين وبعده ايقه ست عشرة سنة وبعده غطسة أربع عشرة سنة وهو الذي وقع من قصته مع ابنه يليان عامل طنجة ما وقع‏.‏ ثم بعده زدريق سنتين وهو الذي دخل عليه المسلمون وغلبوه على ملك القوط وملكوا الأندلس‏.‏ ولذلك العهد كان الوليد بن عبد الملك حسبما نذكره عند فتح الأندلس إن شاء الله تعالى‏.‏

  الخبر عن هؤلاء القوط نقلته من كلام هروشيوش

وهو أصح ما رأيناه في ذلك والله سبحانه وتعالى الموفق المعين بفضله وكرمه لا رب غيره ولا الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر أفاريقهم و أنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلأفها والبادية والرحالة منهم وملكها‏.‏ هذه الأمة من العرب البادية أهل الخيام الذين لا اغلاق لهما لم يزالوا من أعظم أمم العالم وأكثر أجيال الخليقة يكثرون الأمم تارة وينتهي إليهم العز والغلبة بالكثرة فيظفرون بالملك ويغلبون على الأقاليم والمدن والأمصار‏.‏ ثم يهلكهم الترفه والتنعم ويغلبون عليهم ويقتلون ويرجعون إلى باديتهم وقد هلك المتصدرون منهم للرياسة بما باشروه من الترف ونضارة العيش وتصيير الأمر لغيرهم من أولئك المبعدين عنهم بعد عصور أخرى‏.‏ هكذا سنة الله في خلقه‏.‏ وللبادية منهم مع من يجاورهم من الأمم حروب ووقائع في كل عصر وجيل بما تركوا من طلب المعاش وجعلوا طلب المعاش رزقهم في معاشهم بترصد السبيل وانتهاب متاع الناس‏.‏ ولما استفحل الملك للعرب في الطبقة الأولى للعمالقة وفي الثانية للتبابعة وكان ذلك عن كثرتهم‏.‏ فكانوا منتشرين لذلك العهد باليمن والحجاز ثم بالعراق والشام‏.‏ فلما تقلص ملكهم وكانوا يقال في مبدأ كونهم هنالك أن بختنصر لما سلطه الله على العرب وعلى بني إسرائيل بما كانوا من بغيهم وقتلهم الأنبياء قتل أهل الوبر بناحية عدن اليمن نبيهم شعيب بن ذي مهدم على ما وقع في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ‏"‏ فأوحى الله إلى إرمياء بن حزقيا وبزخيا أن يسيرا بختنصر إلى العرب الذين لا إغلاق لبيوتهم أن يقتل ولا يستحي ويستلحمهم أجمعين ولا يبقى منهم أثراً‏.‏ وقال بختنصر‏:‏ وأنا رأيت مثل ذلك‏.‏ وسار إلى العرب وقد نظم ما بين أيلة والأبلة خيلاً ورجلاً‏.‏ وتسامع العرب بأقطار جزيرتهم واجتمعوا للقائه فهزم عدنان أولاً ثم استلحم الباقين ورجع إلى بابل وجمع السبايا فأنزلهم بالأنبار ثم خالطهم بعد ذلك النبطة‏.‏ وقال ابن الكلبي‏:‏ إن بختنصر لما نادى بغزو العرب افتتح أمره بالقبض على من كان في بلاده من تجارتهم للميرة وأنزلهم الحيرة ثم خرج إليهم في العساكر فرجعت قبائل منهم إليه آثروا الإذعان والمسالمة وأنزلتهم بالسواد على شاطىء الفرات وابتنوا موضع عسكرهم وسموه الاثبالي‏.‏ ثم أنزلتهم الحيرة فسكنوها سائر أيامه ورجعوا إلى الأنبار بعد مهلكه‏.‏

وقال الطبري‏:‏ إن تبع أبا بكر لما غزا العراق أيام أردشير بهمن كانت طريقه على جبل طيء ومنه إلى الأنبار وانتهى إلى موضع الحيرة ليلاً فتحير وأقام فسمي المكان الحيرة‏.‏ ثم سار لوجهه وخلف هنالك قوماً من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة وطنوا وبنوا ولحق بهم ناس من طيء وكلب والسكون وإياد والحرث بن كعب فكانوا معهم‏.‏ وقيل وهو قريب من الأول‏:‏ خرج تبع في العرب حتى تحيروا بظاهر الكوفة فنزل بها ضعفاء الناس فسميت الحيرة‏.‏ ولما رجع ووجدهم قد استوطنوا تركهم هنالك وفيهم من كل قبائل العرب من هذيل ولخم وجعفى وطيء وكلب وبني لحيان من جرهم‏.‏ قال هشام بن محمد‏:‏ مات بختنصر انتقل الذين أسكنهم بالحيرة إلى الأنبار ومعهم من انضم إليهم من بني إسماعيل وبني معد وانقطعت طوالع العرب من اليمن عنهم‏.‏ ثم كثر أولاد معد وفرقتهم العرب وخرجوا يطلبون المنسع والريف فيما يليهم من بلاد اليمن ومشارف الشام‏.‏ ونزلت قبائل منهم البحرين وبها يومئذ قوم من الأزد نزلوها أيام خروح مزيقياء من اليمن‏.‏ وكان الذين اقبلوا من تهامة من العرب مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن قضاعة وابن أخيهما مالك بن زهير وابن عمرو بن فهم في جماعة من قومهم والختفار بن الحيق بن عمرو بن معد بن عدنان في قفص كلها‏.‏ ولحق بهم غطفان بن عمرو بن لطمان بن عبد مناف بن بعدم بن دعمى بن أياد بن أرقص بن صبيح بن الحارث بن أفصى بن دعمى وزهير بن الحرث بن أليل بن زهير بن أياد‏.‏ واجتمعوا بالبحرين وتحالفوا على المقام والتناصر وأنهم يد واحدة‏.‏ وكان هذا الاجتماع والحلف أزمان الطوائف وكان ملكهم قليلاً ومفترقاً وكان كل واحد منهم يغير على صاحبه ويرجع على أكثر من ذلك‏.‏ فتطلعت نفوس العرب بالبحرين إلى ريف العراق وطمعوا في غلب الأعاجم عليه أو مشاركتهم فيه واهتبلوا الخلاف الذي كان بين الطوائف وأجمع رؤساؤهم المسير إلى العراق‏.‏ فسار منهم الأول الحنفار بن الحبق في أشلاء قفص بن معد ومن معهم من أخلاط الناس فوجدوا بأرض بابل إلى الموصل بني إرم بن سام الذين كانوا ملوكاً بدمشق وقيل لها مات أجلهم دقشق إرم وهم من بقايا العرب الأولى‏.‏ فوجدوهم يقاتلون ملوك الطوائف فدفعوهم عن سواد العراق فارتفعوا عنه إلى أشلاء قفص هؤلاء ينسبون إلى عمرو بن عدي بن ربيعة جد بني المنذر عند نسابة مصر‏.‏ وفي قول حماد الراوية كما يأتي ذكره‏.‏ ثم طلع مالك وعمرو ابنا فهم وابن مالك بن زهير من قضاعة وغطفان بن عمرو وصبح بن صبيح وزهير بن الحرث من إياد فيمن معهم من غسان وحلفائهم بالأنبار وكلهم تنوخ كما قدمنا فغلبوا بني إرم ودفعوهم عن جهات السواد‏.‏ وجاء على أثرهم نمارة بن قيس ونمارة بن لخم نجدة من قبائل كندة فنزلوا الحيرة وأوطنوها وأقامت طالعة الأنبار وطالعة الحيرة لا يدينون للأعاجم ولا تدين لهم حتى مر بهم تبع وترك فيهم ضعفة عساكره كما تقدم وأوطنوا فيهم من ونزل كثير من تنوخ ما بين الحيرة والأنبار بادين في الخيام لا يأوون إلى المدن ولا يخالطون أهلها‏.‏ وكانوا يسمون عرب الضاحية وأول من ملك منهم أزمان الطوائف مالك بن فهم وبعده أخوه عمرو وبعده ابن أخيه جذيمة الأبرش كما يأتي ذكر ذلك كله‏.‏ وكان أيضاً ولد عمرو مزيقياء بعد خروجه من اليمن بالأزد قومه عند خروجه أنذرهم بسيل العرم في القصة المشهورة‏.‏ وقد انتشروا بالشام والعراق وتخلف من تخلف منهم بالحجاز وهم خزاعة فنزلوا مر الظهران وقاتلوا جرهماً بمكة فغلبوهم عليها ونزل نصر بن الأزد عمان ونزلت غسان جبال الشراة‏.‏ وكانت لهم حروب مع بني معد إلى أن استقروا هنالك في التخوم بين الحجاز والشام‏.‏ هذا شأن من أوطن العراق والشام من قبائل سبا‏.‏ تشاءم منهم أربعة وبقي باليمن ستة وهم مذحج وكندة والأشعريون وحمير وأنمار وهو أبو خثعم وبجيلة فكان الملك لهؤلاء باليمن في حمير ثم التبابعة منهم ويظهر من هذا أن خروج مزيقياء والأزد كان لأول ملك التبابعة أو قبله بيسير‏.‏ وأما بنو معد بن عدنان فكان إرميا وبرخيا لما أوحي إليهما بغزو بختنصر العرب أمرهما الله أن يستخرجا معد بن عدنان لان من ولده محمداً صلى الله عليه وسلم أخرجه آخر الزمان أختم به النبيين وأرفع به من الضعة فأخرجاه على البراق وهو ابن اثنتي عشرة سنة وذهبا به إلى حران فربي عندهما‏.‏ وغزا بختنصر العرب واستلحمهم وهلك عدنان وبقيت بلاد العرب خراباً‏.‏ ثم هلك بختنصر فخرج معد بن عدنان مع أنبياء بني إسرائيل فحجوا جميعاً وطفق يسأل عمن بقي من ولد الحرث بن مضاض الجرهمي‏.‏ وكانت قبائل دوس ‏)‏‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏(‏ أكثر جرهم على يده فقيل له بقي جرهم بن جلهة‏.‏ فتزوج ابنته معانة وولدت له نزار بن معد‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وكان رجوع معد إلى الحجاز بعدما رفع الله بأسه عن العرب ورجعت بقاياهم التي كانت بالشواهق إلى مجالاتهم بعد أن دوخ بختنصر بلادهم وخرب معمورهم واستأصل حضورا وأهل الرس التي كانت سطوة الله بالعرب من أجلهم‏.‏ ثم كثر نسل معد في ربيعة ومضر وإياد وتدافعوا إلى العراق والشام وتقدم منهم أشلاء قفص كما ذكرنا وجاءوا على أثرهم فنزلوا مع أحياء اليمنية الذين ذكرناهم قبل وكانت لهم مع تبع حروب وهو الذي يقول‏:‏ لست بالتبع اليماني إن لم تركض الخيل في سواد العراق أو تودي ربيعة الخرج قسراً لم تعقها موانع العواق ثم كان بالعراق والشام والحجاز أيام الطوائف ومن بعدهم في أعقاب ملك التبابعة اليمنية والعدنانية ملك ودول وبعد أن درست الأجيال قبلهم وتبدلت الأحوال السابقة لعصرهم فاستحق بذلك أن يكون جيلاً منفرداً عن الأول وطبقة مباينة للطباق السالفة‏.‏ ولما لم يكن لهم أثر في إنشاء العروبية كما للعرب العاربة ولا في لغتها عنهم كما في المستعربة وكانوا تبعاً لمن تبعهم في سائر أحوالهم استحقوا التسمية بالعرب التابعة للعرب‏.‏ واستمرت الرياسة والملك في هذه الطبقة اليمانية أزمنة وآماداً بما كانت صبغتها لهم من قبل وإحياء مضر وربيعة تبعاً لهم‏.‏ فكان الملك بالحيرة للخم في بني المنذر وبالشام لغسان في بني جفنة وبيثرب كذلك في الأوس والخزرج ابني قيلة وما سوى هؤلاء من العرب فكانوا ظواعن بادية وأحياء ناجعة وكانت في بعضهم رياسة بدوية وراجعة في الغالب إلى أحد هؤلاء‏.‏ ثم نبضت عروق الملك في مضر وظهرت قريش على مكة ونواحي الحجاز أزمنة عرف فيها منهم ودانت الدول بتعظيمهم‏.‏ ثم صبح الإسلام أهل هذا الجيل وأمرهم على ما ذكرناه فاستحالت صبغة الملك إليهم وعادت الدول لمضر من بينهم واختصت كرامة الله بالنبوة بهم فكانت فيهم الدول الإسلامية كلها إلا بعضاً من دولها قام بها العجم اقتداء بالملة وتمهيداً للدعوة حسبما نذكر ذلك كله‏.‏ فلنأت الآن بذكر قبائل هذه الطبقة من قحطان وعدنان وقضاعة وما كان لكل واحدة منها من الملك قبل الإسلام وبعده‏:‏ ومن كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني في أخبار خزيمة بن نهد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة قال‏:‏ كان بدء تفرق بني إسماعيل من تهامة ونزوعهم عنها إلى الآفاق وخروج من خرج منهم عن نسبه أن قضاعة كانوا مجاورين لنزار وكان حزيمة بن نهد فاسقاً متعرضاً للنساء فشبب بفاطمة بنت يذكر وهو عامر بن عنزة وذكرها في شعره حيث يقول‏:‏ إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا وحالت دون ذلك من هموم هموم تخرج الشجر الربينا أرى ابنة يذكر ظعنت فحلت جنوب الحزن يا شحطاً مبينا وسخط ذلك يذكر خشية حزيمة على نفسه فاغتاله وقتله وانطفت نار يذكر ولم يصح على حزيمة شيء حتى تتوجه به المطالبة على قضاعة حتى قال في شعره‏:‏ فاه كان عند رضاب العصير ففيها يعل به الزنجبيل قتلت أباها على حبها فتبخل إن بخلت أوتقيل فلما سمعت نزار شعر حزيمة بن نهد وقتله يذكر بن عنزة ثاروا مع قضاعة وتساندوا مع أحياء العرب الذين كانوا معهم وكانت هذه مع نزار ونسبها يومئذ كندة بن جنادة بن معد وجيرانهم يومئذ أجأ بن عمرو بن أد بن أدد ابن أخي عدنان بن أدد‏.‏ وكانت قضاعة تنتسب إلى معد‏.‏ ومعد إلى عدنان والأشعريون إلى الأشعر بن أدد ابن عدنان وكانوا يظنون من تهامة إلى الشام ومنازلهم بالصفاع‏.‏ وكانت عسقلان من ولد ربيعة وكانت قضاعة ما بين مكة والطائف وكندة من العمد إلى ذات عرق ومنازل أجأ والأشعر ومعد ما بين جدة والبحر‏.‏ فلما اقتتلوا هزمت نزار قضاعة وقتل حزيمة وخرجوا متفرقين فسارت تيم اللات من قضاعة وبعض بني رفيدة منهم وفرقة من الأشعريين نحو البحرين ونزلوا هجر وأجلوا من كان بها من النبط وملكوها‏.‏ وكانت الزرقاء بنت زهير كاهنة منهم فتكهنت لهم بنزول ذلك المكان والخروج عن تهامة وقالت في شعرها‏:‏ ودع تهامة لاوداع مخالف بذمامة لكن قلى وملام لاتنكري هجراً مقام غريبة لن تعدمي من ظاعنين تهام ثم تكهنت لهم في سجع بأنهم يقيمون بهجر حتى ينعق غراب أبقع عليه خلخال ذهباً ويقع على نخلة وصفتها فيسيرون إلى الحيرة وكان في سجعها مقام وتنوخ فسميت تلك القبائل تنوخ من أجل هذه اللفظة‏.‏ ولحق بهم قوم من الأزد فدخلوا في تنوخ وأصاب بقية قضاعة الموتان وسارت فرقة من بني حلوان فنزلوا عبقرة من أرض الجزيرة ونسج نساؤهم البرود العبقرية من الصوف والبرود التزيدية إليهم لأنهم بنو تزيد وأغارت عليهم الترك فأصابوا منهم‏.‏ وأقبل الحرث بن قراد البهراني ليستجيش بني حلوان له أبان بن سليح صاحب العين فقتله الحرث ولحقت بهرا بالترك فاستنقذوا ما أخذوه من بني تزيد وهزموهم وقال الحرث‏:‏ كأن الدهر جمع في ليال ثلاث بينهن بشهر زور صفننا للأعاجم من معد صفوفاً بالجزيرة كالسعير وسارت سليح بن عمرو بن الحاف وعليهم الهدرجان بن مسلمة حتى نزلوا فلسطين على بني أدينة بن السميدع بن عاملة‏.‏ وسارت أسلم بن الحاف وهي عذرة ونهد وحويكة وجهينة حتى نزلوا بين الحجر ووادي القرى وأقامت تنوخ بالبحرين سنين‏.‏ ثم أقبل الغراب بحلقتي الذهب ووقع على النخلة ونعق كما قالت الزرقاء فذكروا قولها وارتحلوا إلى الحيرة فنزلوها وهم أول من اختطها‏.‏ وكان رئيسهم مالك بن زهير واجتمع إليه ناس كثيرة من بسائط القرى وبنوا بها المنازل وأقاموا زماناً ثم أغار عليهم سابور الأكبر وقاتلوه وكان شعارهم يا لعباد الله فسموا العباد‏.‏ وهزمهم سابور فافترقوا وسار أهل المهبط منهم مع الضيزن بن معاوية التنوخي فنزل بالحضر الذي بناه الساطرون الجرمقاني فأقاموا عليه وأغارت حمير على قضاعة فأجلوهم وهم كلب‏.‏ وخرج بنوزبان بن تغلب بن حلوان فلحقوا بالشام‏.‏ ثم أغارت عليهم كنانة بعد ذلك بحين واستباحوهم فلحقوا بالسماوة وهي إلى اليوم منازلهم‏.‏ قلت‏:‏ وأحياء جدهم لهذا العهد ما بين عنزة وقلتة وفلسطين إلى معان من أرض الحجاز‏.‏

  الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

أعلم أن جميع العرب يرجعون إلى ثلاثة أنساب‏:‏ وهي عدنان وقحطان وقضاعة‏.‏ فأما عدنان فهو من ولد إسماعيل بالاتفاق إلا ذكر الآباء الذي بينه وبين إسماعيل فليس فيه شيء يرجع إلى يقينه وغير عدنان من ولد إسماعيل قد انقرضوا فليس على وجه الأرض منهم أحد‏.‏ وأما قحطان فقيل من ولد إسماعيل وهو ظاهر كلام البخاري في قوله‏:‏ باب نسبة اليمن إلى إسماعيل وساق في الباب قوله صلى الله عليه وسلم لقوم من أسلم يناضلون‏:‏ ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً‏.‏ ثم قال‏:‏ وأسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة يعني وخزاعة من سبأ والأوس والخزرج منهم وأصحاب هذا المذهب على أن قحطان ابن الهميسع بن أبين بن قيذار بن نبت بن إسماعيل‏.‏ والجمهور على أن قحطان هو يقطن المذكور في التوراة في ولد عابر وأن حضرموت من شعوب قحطان‏.‏ وأما قضاعة فقيل أنها حمير قاله ابن إسحق والكلبي وطائفة وقد يحتج لذلك بما رواه ابن لهيعة عن عقبة بن عامر الجهني قال‏:‏ يا رسول الله ممن نحن قال أنتم من قضاعة بن مالك‏.‏ وقال عمرو بن مرة وهو من الصحابة‏:‏ نحن بنو الشيخ العجاز الأزهري قضاعة بن مالك بن حمير النسب المعروف غير المنكر وقال زهير‏:‏ قضاعية وأختها مضرية‏.‏ فجعلهما أخوين وقال أنهما من حمير بن معد بن عدنان وقال بن عبد البر وعليه الأكثرون‏:‏ ويروي عن ابن عباس وابن عمرو وجبير بن مطعم وهو اختيار الزبير بن بكار وابن مصعب الزبير وابن هشام‏.‏ قال السهيلي‏:‏ والصحيح أن أم قضاعة وهي عبكرة مات عنها مالك بن حمير وهي حامل بقضاعة فتزوجها معد وولدت قضاعة فتكنى به ونسب إليه وهو قول الزبير‏.‏ وفي كتب الحكماء الأقدمين من يونان مثل بطليموس وهروشيوش ذكر القضاعيين والخبر عن حروبهم فلا يعلم أهم أوائل قضاعة هؤلاء وأسلافهم أو غيرهم‏.‏ وربما يشهد للقول بأنهم من عدنان وأن بلادهم لا تتصل ببلاد اليمن وإنما هي ببلاد الشام وبلاد بني عدنان والنسب البعيد يحيل الظنون ولا يرجع فيه إلى يقين‏.‏ ولنبدأ بقحطان وبطونها‏:‏ لما أن الملك الأقدم للعرب كان في نسب سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ومنه تشعب بطون حمير بن سبأ وكهلان بن سبأ‏.‏ وينفرد بنو حمير بالملك وكان منهم التبابعة أهل الدولة المشهورة وغيرهم كما نذكر‏.‏ فلنبدأ بذكر حمير أولاً من القحطانية ونذكر بعدهم قضاعة لانتسابهم في المشهور إلى حمير ثم نتبعهم بذكر كهلان إخوان حمير من القضاعية ثم نرجع إلى ذكر عدنان‏.‏

  الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

قد تقدم لنا ذكر الشعوب من حمير الذين كان لهم الملك قبل التبابعة فلا حاجة لنا إلى إعادة ذكرهم‏.‏ وتقدم لنا أن حمير بن سبأ كان له من الولد تسعة وهم‏:‏ الهميسع ومالك وزيد وعريب وواثل ومشروح ومعد يكرب وأوسع ومرة‏.‏ فبنو مرة دخلوا إلى حضرموت‏.‏ وكان من حمير أبين بن زهير بن الغوث بن أبين بن الهميسع بن حمير‏.‏ وإليهم تنسب عدن أبين ومنهم بنو الأملوك وبنو عبد شمس وهما إبنا وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير وعريب وأبين أخوان ومن بني عبد شمس بنو شرعب بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس وقد تقدم قول من ذهب إلى أن جشم وعبد شمس أخوان وهما ابنا واثل والصحيح ما ذكرناه هنا فلترجع‏.‏ وبنو خيران وشعبان وهما ابنا عمرو أخي شرعب بن قيس وزيد الجمهور بن سهل أخي خيران وشعبان‏.‏ ورابعهم حسان القيل بن عمرو وقد مر ذكره‏.‏ ومن زيد الجمهور ذو رعين واسمه يريم بن زيد بن سهل وإليه ينسب عبد كلال الذي تقدم ذكره في ملوك التبابعة‏.‏ والحارث وعريب ابنا عبد كلال بن عريب بن يشرح بن مدان بن ذي رعين وهما اللذان كتب لهما النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ومنهم كعب بن زيد الجمهور ويلقب كعب الظلم وأبناء سبا الأصغر بن كعب وإليه ينتهي نسب ملوك التبابعة‏.‏ ومن زيد الجمهور بنو حضور بن عدي بن مالك بن زيد وقد مر ذكرهم‏.‏ وتقول اليمن أن منهم كان شعيب بن ذي مهدم النبي الذي قتله قومه فغزاهم بختنصر فقتلهم‏.‏ وقيل بل هو من حضور بن قحطان الذي اسمه في التوراة يقطن ومنهم أيضاً بنو ميثم وبنو حالة ابني سعد بن عوف بن عدي بن مالك أخي ذي رعين‏.‏ وعوف هذا أخو حضور وأخوه أحاظة وميثم بنو حراز بن سعد‏.‏ فمن ميثم كعب الأحبار وقد مر ذكره‏.‏ وهو كعب بن ماتع بن هلسوع بن ذي هجري بن ميثم‏.‏ ومن أحاظة رهط ذي الكلاع وهو ومن عمرو بن سعد الخبائر والسحول بنو سوادة بن عمرو بن الغوث بن سعد يحصب وذو أصبح أبرهة بن الصباح وكان من ملوك اليمن لعهد الإسلام وقد مر ذكره ونسبه‏.‏ ومنهم مالك بن أنس إمام دار الهجرة وكبير فقهاء السلف وهو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر وهو نافع بن عمرو بن الحرث بن عثمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح وأبناء يحيى ومحمد وأعمامه أويس وأبو سهل والربيع وكانوا خلفاء لبني تيم من قريش ومن زيد الجمهور مرثد بن علس بن ذي جدن بن الحرث بن زيد وهو الذي استجاشه امرؤ القيس على بني أسد قاتلي أبيه‏.‏ ومن بني سبا الأصغر الأوزاع وهم بنو مرثد بن زيد بن شدد بن زرعة بن سبأ الأصغر‏.‏ ومن إخوان هؤلاء الأوزاع بنو يعفر الذين استبدوا بملك اليمن كما يأتي عند ذكر ملوك اليمن في الدولة العباسية‏.‏ وهو يعفر بن عبد الرحمن بن كريب بن عثمان بن الوضاح بن إبراهيم بن مانع بن عون بن تدرص بن عامر بن ذي مغار البطين بن ذي مرايش بن مالك بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن شدد بن زرعة‏.‏ وكان آخر ملوك بني يعفر هؤلاء باليمن أبو حسان أسعد بن أبي يعفر إبراهيم بن محمد بن يعفر ملك أبو إبراهيم صنعاء وبنى قلعة كحلان باليمن‏.‏ وورث ملكه بنوه من بعده إلى أن غلب عليهم الصليحيون من همدان بدعوة العبيديين من الشيعة كما نذكر في أخبارهم‏.‏ ومن زيد الجمهور ملوك التبابعة وملوك حمير من ولد صيفي بن سبا الأصغر بن كعب بن زيد‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ فمن ولد صيفي هذا تبع وهو تبان وهو أيضاً أسعد أبو كرب بن كليكرب وهو تبع بن زيد وهو تبع بن عمرو وهو تبع ذو الأذعار بن أبرهة وهو تبع ذو المنار بن الرايش بن قيس بن صيفي‏.‏ قال‏:‏ فولد تبع أسعد أبو كرب حسان ذو معاهر وتبع زرعة وهو ذو نواس الذي تهود وهود أهل اليمن ويسمى يوسف وقتل أهل نجران من النصارى‏.‏ وعمرو بن سعد وهو موثبان‏.‏ قال‏:‏ ومن هؤلاء التبابعة شمر يرعش بن ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار وأفريقش بن قيس بن صيفي وبلقيس بنت إيلي أشرح بن ذي جدن بن إيلي أشرح بن الحرث بن قيس بن صيفي‏.‏ قال‏:‏ وفي أنساب التبابعة تخليط واختلاف ولا يصح منها ومن أخبارهم إلا القليل‏.‏ ومن زيد الجمهور ذو يزن بن عامر بن أسلم بن زيد‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ إن عامر هو ذو يزن قال ومن ولده سيف بن النعمان بن عفير بن زرعة بن عفير بن الحرث بن النعمان بن قيس بن عبيد بن سيف بن ذي يزن الذي استجاش كسرى على الحبشة وأدخل الفرس إلى اليمن‏.‏ هذه بطون حمير وأنسابها وديارهم باليمن من صنعاء إلى ظفار إلى عدن‏.‏ وأخبار دولهم قد تقدمت‏.‏ ونلحق بالكلام في أنساب حمير بن سبأ أنساب حضرموت وجرهم وما ذكره النسابون من شعوبهما‏:‏ فإنهم يذكرونهما مع حمير لأن حضرموت وجرهم إخوة سبأ كما وقع في التوراة وقد ذكرناه ولم يبق من ولد قحان بعد سبأ معروف العقب غير هذين‏.‏ فأما حضرموت فقد تقدم ذكرهم في العرب البائدة ومن كان منهم من الملوك يومئذ ونبهنا هنالك أن منهم بقية في الأجيال المتأخرة اندرجوا في غيرهم فلذلك ذكرناهم في هذه الطبقة الثالثة‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ ويقال إن حضرموت هو ابن يقطن أخي قحطان والله أعلم‏.‏ وكان فيهم رياسة إلى الإسلام‏.‏ منهم وائل بن حجر له صحبة وهو وائل بن حجر بن سعيد بن مسروق بن وائل بن النعمان بن ربيعة بن الحارث بن عوف بن سعد بن عوف بن عدي بن شرحبيل بن الحرث بن مالك بن مرة بن حمير بن زيد بن لابي بن مالك بن قدامة بن أعجب بن مالك ابن لابي بن قحطان‏.‏ وابنه علقمة بن وائل‏.‏ وسقط عنده بين حجر أبي وائل وسعيد بن مسروق أب اسمه سعد وهو ابن سعيد‏.‏ ثم قال ابن حزم‏:‏ ويذكر بنو خلدون الأشبيليون فيقال‏:‏ إنهم من ولد الجبار بن علقمة بن وائل منهم علي المنذر بن محمد وابنه بقرمونة وأشبيلية اللذين قتلهما إبراهيم بن حجاج اللخمي غيلةً وهما ابنا عثمان أبي بكر بن خالد بن عثمان أبي بكر بن مخلوف المعروف بخلدون الداخل المشرق‏.‏ وقال غيره في خلدون الأول‏:‏ إنه ابن عمرو بن خلدون‏.‏ وقال ابن حزم في خلدون أنه ابن عثمان بن هانيء بن الخطاب بن كريب بن معد يكرب بن الحرث بن وائل بن حجر‏.‏ وقال غيره خلدون بن مسلم بن عمر بن الخطاب بن هانيء بن كريب بن معد يكرب بن الحرث بن وائل‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ والصدف من بني حضرموت وهو الصدف بن أسلم بن زيد بن مالك بن زيد بن حضرموت الأكبر‏.‏ قال ومن حضرموت العلاء بن الحضرمي الذي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم البحرين وأبو بكر وعمر من بعده إلى أن توفي سنة إحدى وعشرين وهو العلاء بن عبد الله بن عبدة بن حماد بن مالك حليف بني أمية بن عبد شمس وأخوه ميمون بن الحضرمي بن الصدف‏.‏ فيقال عبد الله بن حماد بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن أكبر بن غريب بن مالك بن الخزرج بن الصدف‏.‏ قال وأخت العلاء الصعبة بنت الحضرمي أم طلحة بن عبد الله‏.‏ وأما جرهم فقال ابن سعيد‏:‏ إنهم أمتان أمة على عهد عاد وأمة من ولد جرهم بن قحطان‏.‏ ولما ملك يعرب بن قحطان اليمن ملك أخوه جرهم الحجاز ثم ملك من بعده ابنه عبد ياليل بن جرهم ثم ابنه جرشم بن عبد ياليل ثم ملك من بعده ابنه عبد المدان بن جرشم ثم ابنه نفيلة بن عبد المدان‏.‏ ثم ابنه عبد المسيح بن نفيلة ثم ابنه مضاض بن عبد المسيح ثم ابنه عمرو بن مضاض ثم أخوه الحرث بن مضاض ثم ابنه عمرو بن الحرث ثم أخوه بشر بن الحرث ثم مضاض بن عمرو بن مضاض‏.‏ قال وهذه الأمة الثانية هم الذين بعث إليهم إسماعيل وتزوج فيهم‏.‏

  الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الذي كان فيها

قد تقدم آنفاً ذكر الخلاف الذي في قضاعة هل هم لحمير أو لعدنان ونقلنا الحجاج لكلا المذهبين وأتينا بذكر أنسابهم تالية حمير ترجيحاً للقول بأنهم منهم وعلى هذا فقيل هو قضاعة بن مالك بن حمير‏.‏ وقال ابن الكلبي‏:‏ قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير‏.‏ وكان قضاعة فيما قال ابن سعيد ملكاً على بلاد الشحر وصارت بعده لابنه الحاف ثم لابنه مالك‏.‏ ولم يذكر ابن حزم في ولد الحاف مالكاً‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وكانت بين قضاعة وبين واثل بن حمير حروب‏.‏ ثم استقل ببلاد الشحر مهرة بن حيدان بن الحاف بن قضاعة وعرفت به‏.‏ قال وملك بنو قضاعة أيضاً نجران ثم غلبهم عليها بنو الحرث بن كعب بن الأزد وساروا إلى الحجاز فدخلوا في قبائل معد ومن هنا غلط من نسبهم إلى معد‏.‏ ولنذكر الآن تشعب البطون من قضاعة‏:‏ أتفق النسابون على أن قضاعة لم يكن له من الولد إلا الحاف ومنه سائر بطونهم وللحافي ثلاثة من الولد عمر وعمران وأسلم بضم اللام قاله ابن حزم‏.‏ فمن عمرو بن الحاف حيدان وبلى وبهرا‏.‏ فمن حيدان مهرة ومن بلى جماعة من مشاهير الصحابة‏:‏ منهم كعب بن عجرة وخديج بن سلامة وسهل بن رافع وأبو بردة ابن نيار‏.‏ ومن بهرا جماعة من الصحابة أيضاً منهم المقداد بن عمرو وينسب إلى الأسود ابن عبد يغوث بن وهب خال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي أمه وتبناه فنسب إليه‏.‏ ويقال إن خالد بن برمك مولى بني بهرا‏.‏ ومن أسلم سعد هذيم وجهينة ونهد بنو زيد بن ليث بن سود بن أسلم‏.‏ فجهينة ما بين الينبع ويثرب إلى الآن في متسع من برية الحجاز وفي شماليهم إلى عقبة أيلة مواطن بلى وكلاهما على العدوة الشرقية من بحر القلزم وأجاز منهم أمم إلى العدوة الغربية وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكثروا هنالك سائر الأمم وغلبوا على بلاد النوبة وفرقوا كلمتهم وأزالوا ملكهم‏.‏ وحاربوا الحبشة فارهقوهم إلى هذا العهد‏.‏ ومن سعد هذيم بنو عذرة المشهورون بين العرب في المحبة‏.‏ كان منهم جميل بن عبد الله بن معمر وصاحبته بثينة بنت حبابا‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ كان لأبيها صحبة‏.‏ ومنهم عروة بن حزام وصاحبته عفرا‏.‏ ومن بني عذرة كان رزاح بن ربيعة أخو قصي بن كلاب لأمه وهو الذي استظهر قصي به وبقومه على بني سعد بن زيد بن قناة ابن عم تميم فغلبهم على الاجازة بالناس من عرفة وكانت مفتاح رياسته ومن عمران بن الحافي بنو سليح وهو عمرو بن حلوان بن عمران‏.‏ ومن بني سليح الضجاعم بنو ضجعم بن سعد بن سليح كانوا ملوكاً بالشام للروم قبل غسان‏.‏ ومن بني عمران بن الحاف بنو جرم بن زبان بن حلوان بن عمران بطن كبير وفيهم كثير من الصحابة ومواطنهم ما بين غزة وجبال الشراة من الشام‏.‏ وجبال الشراة من جبال الكرك‏.‏ ومن تغلب بن حلوان بنو أسد وبنو النمر وبنو كلب قبائل ضخمة كلهم بنو وبرة بن تغلب‏.‏ فمن النمر خشين بن النمر ومن بني أسد بن وبرة تنوخ وهم فهم بن تيم اللات بن أسد منهم مالك بن زهير بن عمرو بن عمرو بن فهم وعليه تنخت تنوخ‏.‏ وعلى عهد أبيه مالك بن فهم كما مر وكانوا حلفاء لبني حزم‏.‏ فتنوخ على ثلاثة أبطن‏:‏ بطن اسمه فهم وهم هؤلاء وبطن اسمه نزر وهم ليس نزاز لهم بوالد لكنهم من بطون قضاعة كلها‏.‏ ومن بني تيم اللات ومن غيرهم بطون ثلاث يقال لهم الأحلاف من جميع قبائل العرب من كندة ولخم وجذام وعبد القيس‏.‏ ومن بني أسد بن وبرة بنو القين واسمه النعمان بن جسر بن شيع اللات بن أسد‏.‏ ومن بني كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بنو كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب‏.‏ قبيلة ضخمة فيها ثلاثة بطون‏:‏ بنو عدي وبنو زهير وبنو عليم‏.‏ وبنو جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بطون ضخمة ومنهم عبيدة بن هبيل شاعر قديم ويقول نبكي الديار كما بكى ابن حرام‏.‏ وقد قيل‏:‏ إنه من بكر بن وائل‏.‏ وقال هشام بن السائب الكلبي‏:‏ إذا سئلوا بم بكى ابن حرام الديار‏.‏ انشدوا خمسة أبيات من كلمات امرؤ القيس المشهورة‏:‏ قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل‏.‏ ويقولون إن بقيتها لامرىء القيس بن حجر‏.‏ وهذا امرؤ القيس بن حرام شاعر قديم دثر شعره لأنه لم يكن للعرب كتاب لبدأتها وإنما بقي من أشعارهم ما ذكره رواة الإسلام وقيدوه من رواية الكتاب من محفوظ الرجال‏.‏ ومن بني عدي بنو حصين بن ضمضم بن عدي كانت منهم نائلة بنت الفرافصة بني الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحرث بن حصن امرأة عثمان بن عفان ومنهم أبو الخطار الحسام بن ضرار بن سلامان بن جشم بن ربيعة بن حصن أمير الأندلس ومنسبة بن شحيم بن منجاش بن مزغور بن منجاش بن هذيم بن عدي بن زهير وابن ابنه حسان بن مالك بن بحدل الذي قام بمروان يوم مرج راهط‏.‏ وكانت رياسة الإسلام في كلب لبني بحدل هؤلاء ومن عقبهم بنو منقذ ملوك شيزر‏.‏ ومن بني زهير بن جناب حنظلة بن صفوان بن توبل بن بشر بن حنظلة بن علقمة بن شراحيل بن هرير بن أبي جابر بن زهير ولي أفريقية لهشام‏.‏ ومن عليم بن جناب بنو معقل وربما يقال إن عرب المعقل الذين بالمغرب الأقصى لهذا العهد وفي زمانه ينتسبون فيهم‏.‏ ومن بطون كلب بن عوف بن بكر بن عوف بن كعب بن عوف بن عامر بن عوف دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرىء القيس بن الخزرج بن عامر بن بكر بن عامر بن عوف صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتاه جبريل عليه السلام في صورته‏.‏ ومنصور بن جهور بن حفر بن عمرو بن خالد بن حارثة بن العبيد بن عامر بن عوف القائم مع يزيد بن الوليد وولاه الكوفة‏.‏ وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن عوف سبي أبوه زيد في الجاهلية وصار إلى خديجة فوهبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وجاءه أبوه وخيره النبي صلى الله عليه وسلم فاختاره على أبيه وأهله وأقام في كفالة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أعتقه‏.‏ وربي ابنه أسامة في بيته ومع مواليه وأخباره مشهورة‏.‏ ومن بني كلب ثم من بني كنانة بن بكر بن عوف النسابة بن الكلبي وهوأبو المنذر هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحرث بن عبد العزى بن امرىء القيس‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ هكذا ذكره ابن الكلبي في نسبه‏.‏ وأرى امرأ القيس هذا هو عامر بن النعمان بن عامر ابن عبدود بن عوف بن كنانة بن غزرة وقدمن بقية نسبه‏.‏ وكان لقضاعة هؤلاء ملك ما بين الشام والحجاز إلى العراق في أيلة وجبال الكرك إلى مشارف الشام واستعملهم الروم على باب بادية العرب هنالك‏.‏ وكان أول الملك فيهم في تنوخ وتتابعت فيهم فيما ذكر المسعودي ثلاثة ملوك‏:‏ النعمان بن عمرو ثم ابنه عمرو بن النعمان ثم ابنه الحواري بن عمرو‏.‏ ثم غلبهم على أمرهم سليح من بطون قضاعة وكانت رياستهم في ضجعم بن معد منهم‏.‏ وقارن ذلك استيلاء طيطش من القياصرة على الشام فولاهم ملوكاً على العرب من قبله يجيبون له من ساحتهم إلى أن ولي منهم زيادة بن هبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم‏.‏ وخرجت غسان من اليمن فغلبوهم على أمرهم وصار ملك العرب بالشام لبني جفنة وانقرض ملك الضجاعم حسبما نذكر‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ سار زيادة بن هبولة بن أبقى السيف منهم بعد غسان إلى الحجاز فقتله حجر‏.‏ آكل المرار الكندي كان على الحجاز من قبل التبابعة وأفنى بقيتهم فلم ينج منهم إلا القليل قال‏:‏ ومن الناس من يطلق تنوخ على الضجاعمة ودوس الذين تنخوا بالبحرين أي أقاموا قال‏:‏ وكان لبني العبيد بن الأبرص بن عمر بن أشجع بن سليح ملك يتوارثونه بالحضر آثاره باقية في برية سنجار وكان آخرهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون‏.‏ وقصته مع سابور ذي الجنود من الأكاسرة معروفة‏.‏ قال‏:‏ وكان لقضاعة ملك آخر في كلب بن وبرة يتداولونه مع السكون من كندة فكانت لكلب دومة الجندل وتبوك ودخلوا في دين النصرانية وجاء الإسلام والدولة في دومة الجندل لأكيدر بن عبد الملك بن السكون ويقال أنه كندي من ذرية الملوك الذين ولاهم التبابعة على كلب فأسره خالد بن الوليد وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصالح على دومة وكان في أول من ملكها دجانة بن قنافة بن عدي بن زهير بن جناب‏.‏ قال‏:‏ وبقيت بنو كلب الآن في خلق عظيم على خليج القسطنطينية منهم مسلمون ومنهم متنصرون‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ وجميع قبائل العرب راجعة إلى أب واحد حاش ثلاث قبائل‏:‏ وهي تنوخ والعتقي وغسان‏.‏ فأما تنوخ فقد ذكرناهم وأما العتقي فهم من حجر حمير ومن حجر من ذي رعين ومن سعد العشيرة ومن كنانة بن خزيمة ومنهم زبيد بن الحرث العتقي من حجر حمير وهو مولى عبد الرحمن بن القاسم وخالد بن جنادة المصري صاحب مالك بن أنس وهو مولى زبيد لاحظ الشكل المذكور من أسفل‏.‏ وأما غسان فإنهم من بني أب لا يدخل بعضهم في هذا النسب ويدخل فيهم من غيرهم وسموا العتقا لأنهم اجتمعوا ليفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فظفر بهم فأعتقهم وكانوا جماعة من بطون شتى وسموا تنوخ لأن التنوخ الإقامة فتحالفوا على الإقامة بموضعهم بالشام وهم من بطون شتى‏.‏ وأما غسان فإنهم أيضاً طوائف